عذبي العصيمي يكتب.. مفهوم المواطنة وتأثيرها في صناعة الدولة

زاوية الكتاب

كتب 2254 مشاهدات 0


يتطلب الوصول إلى مبدأ المواطنة على المستوى العملي ، الكثير من العمل والكفاح في الحياة الاجتماعية والسياسية ، وذلك من أجل تجسيد مقتضايتها ومتطلباتها ، بغية الابتعاد عن الدوائر والممارسات التي تمنع  تأخر الوصول إلى هذا المبدأ النبيل الجامع، الذي يؤكد على الحرية والمساواة بصرف النظر عن الأصول العرقية والمذهبية ، ويلاحظ تراجع مفردة المواطنة أو تأخرها في بعض الدول العربية والاسلامية ، إذ يبدو ذلك جلياً من خلال تنامي العديد من المعطيات والتداعيات الاجتماعية في ظل تراخي الإرادة السياسية تجاه هذه القيمة العليا ، الأمر الذي ينتج عن تدهور الاوضاع في مختلف المجالات والميادين ، وذلك لعدم شعور كثير من الأفراد بهذا المبدأ الذي هو أحد مكونات شخصية الإنسان التي تعكس مشاعره تجاه موطنه وتحمي حقوقه من الضياع والتلاعب بعد أن توفر له العلاقة المطلوبة مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيش فيه .

وتعد فكرة المواطنة أحدى الظواهر الاجتماعية والقانونية والسياسية الملازمة لحالة التطور الاجتماعي لدى الأمم والشعوب ، كما أنها تساعد في تطور المجتمع الإنساني بشكل كبير بجانب الرقي بالدولة إلى المساواة والعدل والإنصاف، وتفرز عن قيم الديمقراطية والشفافية، وإلى الشراكة وضمان الحقوق والواجبات، إذ لا يكتمل مفهوم المواطنة على الصعيد الواقعي، إلا بنشوء دولة الإنسان. تلك الدولة المدنية التي تمارس الحياد الايجابي تجاه قناعات ومعتقدات وآيديولوجيات مواطنيها ، فضلاً عن كونها لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. كما أنها لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية. فهي مؤسسة جامعة لكل المواطنين، وهي تمثل في المحصلة الأخيرة مجموع إرادات المواطنين .

ومع تنامي أزمة الهوية بكل ضغوطاتها وإحباطاتها وتأثيراتها ، التي أخذت تشيع في مجتمعاتنا العربية والخليجية تحديداً ، بحيث لم يعد أمام الجميع من خيار إلا الإنخراط في مشروع الإصلاح الشامل الذي يقوم على أسس سياسية وثقافية واجتماعية تعيد الدور الحضاري لأبناء البلد وتخرجهم من حالة التيه والتخلف والتعصب وأحياناً الاستبداد بأصنافه وأشكاله ، وذلك من أجل الانتقال من واقع الاحتراب الداخلي بعناوينه المختلفة إلى رحاب الوحدة والمواطنة الكاملة ، ولا بد لهذا المشروع الإصلاحي أن يقوم على إعادة الاعتبار للفرد والتعامل معه على أساس المواطنية بصرف النظر عن انتماءاته التاريخية والراهنة ، وأن تقوم الدولة بالنظر إليه وفقاً لانتمائه الوطني  .

وبالعودة إلى مشروع الإصلاح الشامل الذي لا بد أن يكون التعليم بمناهجه وأنظمته من روافده الأساسية وذلك من أجل العمل الجدي في تطوير الحقل الثقافي في المجتمع ، فالتعليم القائم على قيم التربية هو الوعاء الحاضن لمجموع الطاقات ذات الفعل الإيجابي على المستوى الاجتماعي وصولاً إلى تشكيل الإرادات واكتشاف المواهب ، والتعرف عن قرب على القابليات والميول ، والعمل على تزويد هذه الطاقات الفتية بالمهارات التي تمكن الفرد من الرقي من مستوى كفاءته وعطائه الفعلي ، وتؤسس الرغبة العميقة للاندفاع صوب الثقافة والعلم .

ومثلما تعد التنمية السياسية هي أساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلا بد من الشروع بإجراء هذه التنمية السياسية التي يكون هدفها أن يعرف المواطن حقوقه وواجباته الدستورية وأن يشارك مشاركة فعالة وايجابية في الحياة السياسية، وبذلك فأن التنمية السياسية هي ضرورة وطنية وحتمية من أجل تحقيق تقدم المجتمع ورقيه. والتنمية بوصفها آلية للتفاعل بين المشاركة السياسية والقرار السياسي، تؤثر في حجم المشاركة السياسية ومدى فاعليتها من جانب وتتأثر بها من جانب آخر، فالتنمية تتأثر بالمشاركة السياسية إذ أن هذه الأخيرة هي أحد الأدلة المباشرة والأساسية على قدرتها في تحقيق أهداف التنمية وتنفيذ برامجها وسياساتها ونقلها من مستوى الأطروحات النظرية إلى مستوى الفعاليات الإنجازية والسياسات التطبيقية، وبذلك فان عدم تحقيق حالة من المشاركة السياسية هو بمثابة الدليل على معاناة المجتمع ونظامه السياسي من حالة التخلف السياسي.

إن الشروع بإجراء التنمية السياسية التي هي عملية معنية ببناء المؤسسات ، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ، إلى جانب تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم بوضوح، وتنمية قدراتهم على تعبئة كل الإمكانيات المتوفرة لمواجهة التحديات والمشاكل بأسلوب علمي، يكمن في أهمية ربط المواطن بالدولة من خلال قنوات تواصل تلبي الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية ، وخلق الارتباط الذي يتأتى من خلال بناء مبدأ المواطنة القانوني والمرتبط بالانتماء للدولة والولاء للنظام ، وأن الإخفاق في ذلك هو من الاختيارات الإستراتيجية والسياسية للنظام السياسي في الدولة ، وأن اتهام الآخرين في هذا الإخفاق يخفي حقيقة الخوف من الاعتراف بالمسؤولية تجاهه وبالخصوص من قبل النخب السياسية السائدة ، إذ يرتبط ذلك باختيارات النخب وممارساتهم ، الأمر الذي يوجب العمل على عدم تكرار الإخفاقات واستمرارها ، عبر مساءلة الواقع وفحص الخيارات على ضوء المكاسب والنتائج ، وتطوير الأداء السياسي بما ينسجم وتطلعات المجتمع ومطامح الأمة ، بغية تقويم الخلل في الواقع الذي أنتج كثيراً من الأزمات والاختناقات ، ولنا في هذا الموضوع مقالاً آخر يليق بمقامه

الآن - رأي: عذبي زيد العصيمي

تعليقات

اكتب تعليقك