قيمة الحج ليست بآلية الآداء!.. هذا ما يراه حسن كرم

زاوية الكتاب

كتب 600 مشاهدات 0


الوطن

الحج

حسن علي كرم

 

الحج ركن من اركان الاسلام الذي لا مناص من ادائه لمن استطاع الى ذلك سبيلا، وفي الظروف الحالية والقادمة كلما بكَّر المسلم بأداء الفريضة فقد ألقى عن نفسه واجبا هو حمل في الواقع ثقيل، فالحج رغم التسهيلات التي توفرها السلطات السعودية سواء على صعيد توسعة الحرم المكي أو على صعيد شق طرق جديدة واعتبارات السلامة وسهولة الوصول الى المشاعر، الا ان الاهم والاصعب من كل ذلك هو تزايد اعداد الحجاج من عام الى آخر، لذلك لم يعد على كبار السن ومن يعانون حالات صحية خطيرة اداء الفريضة دون العنت والمشقة البدنية، فالحج لئن كان الجهاد الأصغر فلا بد من توافر شروط الاداء.
أديتُ فريضة الحج قبل نحو الاربعين عاماً (1978) في زمن لم يكن فيه الكثير من الخدمات التي تدل على الراحة والرفاهية سواء من قبل حملات الحج أو من قبل المملكة العربية السعودية التي لابد من الاعتراف انها تقوم بأعمال جبارة، ولا كانت رقابة وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الكويتية على الحملات متوافرة، فالحملات القديمة كانت تسير على سنتها القديمة ولكن رغم لذة ومتعة التجربة، الا اننا عانينا الكثير من الصعوبات والمشاق التي مازال الكثير منها مختزنا في الذاكرة خصوصا اذا تذكرنا الاقامة في الخيام في منى والطريق من والى رمي الجمرات ولعل هذه الثلاثة ايام التي تسبق احلال الاحرام هي من اشد الفترات صعوبة على الحاج، لكن تزول تلك المشاق اذا انت تذكرت انك تؤدي فريضة واجبة وركنا من اركان الاسلام وان كنتُ أنسى فلا أنسى ونحن في طريقنا لرمي الجمرات، حيث كان الطريق شارعا لعبور السيارات ونفس الوقت للمشاة القادمين من الجمرات والذاهبين اليها، فتصور نفسك وانت في هذا الموقف موجات بشرية بعضها قادم وبعضها ذاهب وسيارات وباصات مركونة على جانبي الطريق أو تشق طريقها الى حيث هدفها، في هذه الاثناء وفي منتصف الطريق تلاحمت موجات القادمين بالذاهبين وانسد الطريق وانقطعت الانفاس، فانحشرت احدى السيدات العجائز بين هؤلاء وهؤلاء ومع سيارة مركونة، ولكي اظهر شهامتي وانسانيتي دحضت عنها وحلت بينها وبين الموجات البشرية المتدافعة والسيارة المركونة، وكدت انا أموت لولا العناية الالهية التي انقذتني في اللحظة المطلوبة، لذلك اظن مشكلة الحج ليست بالزحام، ولكن بالثقافات المتعددة وبالسلوكيات الانانية التي لا تضع اعتبارا للآخر..!!
ان ما يبهج القلب ويسر النظر هو هذا الجمع العظيم من المسلمين الذين يجتمعون في مكان واحد وفي توقيت واحد وقد أتوا من كل فج عميق حيث اختلاط الالوان واللغات واللهجات والازياء، ويتنادون بنداء واحد وهو نداء التلبية والشكر والاعتراف بربوبية الله الذي لا شريك له، هذا التوحد الديني والنداء الرباني الذي جمع هذا الجمع العظيم من الاجناس والمال لم يكن ليصير لولا النداء الايماني من رب السموات والارض ولرب السموات والارض والذي ترسخ في قلوب وعقول المؤمنين، انه القدر الإلهي ان يلتقي كل هذا الجمع العظيم على نداء لا اله الا الله، وهذا ما يجعلنا نقول وقد قلناه آلاف المرات ان الدين لله وان المرء مسؤول عن نفسه، ألم يقل عز من قائل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. وقوله {فاعبد الله مخلصاً له الدين}. وقوله: {ألا لله الدين الخالص}.. فما رد هؤلاء الذين يتدخلون في شؤون الناس ويدسون أنوفهم في أمور بين المرء وخالقه، وكل آتيه يوم الحساب {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية}.
ان قيمة الحج ليست بآلية الاداء وانما بما قرره الله من حكمة وعبر، فمن حج إنما يحج تطهيرا لنفسه من الذنوب فيصبح كيوم ولدته أمه، فطوبى لمن طهر ذنوبه في الحج وعاد بقلب سليم وبنفس جديد، وطوبى لكل الطيبين الصادقين، فذلك هو الاختبار الاعظم عندما يعود الحاج انسانا آخر يحمل نفسا جديدا وروحا ايمانية جديدة، ذلك ان الدنيا ملهاة، ودار اختبار، والدنيا تملؤها شياطين الانس والجن، ففي كل يوم، بل كل لحظة يصطدم المرء بشيطان في شكل انسان، فالكاذبون والمرجفون والمزيفون والمزورون والفاسدون اين ما تولي وجهك تجد شيطانا من هؤلاء يوسوس في عقلك وحسب المؤمنين اتقاء ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فما اكثر الحجيج في كل موسم وما اكثر المعتمرين على مدار العام ولكن ما اقل من نراهم وقد حجوا أو اعتمروا فاغتسلوا من ذنوبهم وحافظوا على حجتهم أو عمرتهم بما لا يدنسها دنس ولا زلل، ان البعض يتخذ من الحج والعمرة رياء وتجارة، جنبنا الله وإياكم من شرور النفس وثوب الرياء والنفاق.
اللهم في هذه الايام المباركات نتذرع اليك تذرع المحتاج الى رحمتك ورضوانك يا ميسر الامور، يسر امورنا وجنبنا الزلل والخطايا يا ارحم الراحمين، وبارك اللهم في الحجاج الى بيتك العظيم وتقبل اعمالهم بأحسن قبول وان يعودوا الى ديارهم سالمين غانمين، وان يعم الامن والسلام في ربوعنا وربوع كل المسلمين وكل بقاع العالم، وعيدا مباركا علينا جميعا.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك