عن الزمن الذي كان فيه العيد عيداً!.. يكتب صالح الشايجي
زاوية الكتابكتب أكتوبر 4, 2014, 12:49 ص 598 مشاهدات 0
الأنباء
بلا قناع / من دفاتر العيد
صالح الشايجي
هل لمثلي أن يتذكر عيده القديم؟!
بل هل لمثلي قدرة على تذكر عيد قديم طوته سنون كثيرة الأهوال مريرة الأحداث فائقة الموت؟!
سنون تجرّ أذيال سنين، كنا صغارا، عيوننا مثلنا صغيرة وضيّقة لا ترى الا ما يقع أمامها، كان لنا نظر ولم تكن لنا نظرة، نختبئ داخل تلك الأجساد الصغيرة التي لم تكن تحلم ولا تتحدّى ولا حتى تتمنى.
الأمنية كانت ترفا لا تعرفه عقولنا الصغيرة الضيقة، جلّ أمانينا في أعيادنا التي سحقها الزمن ثوب جديد نحلم به ليلة العيد ونرى أنفسنا في بهائه ملائكة تجتاز أقطار السموات والأرض، وعيدية من «آنات» صغيرة نسمع رنينها في جيوبنا ونتحسسها بأيادينا الطرية خوفا عليها، وهي أعزّ ما نملك!
ننفقها في أوجه البراءة أو اللهو البريء، على «الديرفة» و«القلّيلبة» و«أم الحصن» وعلى «شعر البنات» و«النامليت» وتلك سدّة فرحنا ومنتهى أمانينا.
كان ذلك العيد القديم هو كل فرحنا السنوي، فيه نكون على غير حال، وكأنه أيام من السماء تهبط على الأرض في موعد معلوم، أو كأننا نحن الصغار نصير ملائكة نقضي العيد في السماء أو في برزخ فرح غير أرضي.
كلّما جاء البيت زائر من أهل أو صديق يبارك بالعيد نتهلل فرحا وعيوننا مصوبة الى يده متى يمدها في جيبه لينقدنا العيدية كي نتفاخر بين أقراننا من كانت حصيلته أكثر وأكبر وأسمن.
يحزن قليل العيدية ويتباهى كثيرها والبعض من ذلك الكثير يدّخر ما تبقى من عيديته للزمن الآتي ليطيل أمد عيده أياما معدودات.
كنا أصدقاء ذواتنا ومتصالحين معها نقيم بيننا وبينها جسورا هوائية لا تتكسر، كنا لصيقين بالأرض أصدقاء التراب وكم كان الرمل مسرح لهونا.
كنا نحسب العالم الفسيح هو ملعبنا هذا فقط، لم نعرف قارّات ولا دولاً ولا أمما تتصارع ولا بشرا يتطاحنون.
عدم العلم بالشيء ليس جهلا، هو غنى روحي وانساني، اذا ما كان هذا الشيء هو تغوّلا إنسانيا يصير فيه الانسان غولا أعمى لا يرى فريسته.
ذلك هو الجهل الغني الذي أغنى نفوسنا الصغيرة وبيّضها وجعل للعيد بهجة وفرحا فيها.
لم أر العيد الّا بكائية أضيفها لبكائيات سابقاته ولاحقاته من أيام.
ولم أفتح في هذا العيد مندبة، إنما انسحبت الى زمن كان فيه العيد عيدا، كان عيدنا عيدا.
تعليقات