رهان الحرب مع الاٍرهاب - يكتب عنه علي الطراح

زاوية الكتاب

كتب 633 مشاهدات 0

علي الطراح

تفاقم خطر الإرهاب بسرعة في العراق وسوريا وانتشر تهديده، وسرى كسريان النار في الهشيم، وتحول إلى مصدر خوف للعالم الذي يشن اليوم غارات جوية تعدت المئات، ويتردد أن الحرب قد تكون طويلة المدى. وعلى رغم أهمية مكافحة الإرهاب بالسلاح إلا أن جوانبه الثقافية ما زالت لا تشغل العالم بالقدر الكافي من الاهتمام، ولم يحارَب بعد الفكر المتطرف المنحرف بفكر آخر قويم مستقيم، يضمن لنا الانتصار في هذه الحرب المصيرية ضد جماعات العنف والإرهاب. وبكل بساطة، نحن نواجه ظاهرة ترعرت في بيئة غذت الفكر المتطرف في شتى مجالات الحياة، فالتطرف يعبر عن حالة قصوى من التعصب، وقد جاء الإسلام ليحل إشكالية التعصب للذات وكراهية الآخر، إلا أن حالات من التعصب والغلو ظلت راسخة في هوامش من الثقافة العربية. وبكل بساطة يشعر الفرد المتطرف بأنه في حالة عجز وانقطاع عن الواقع، ومن ثم يتشكل العالم في ذهنه ضمن رؤيته غير السوية، ويتحول الفكر المتعصب إلى حالة نفسية تسيطر على كل قدراته العقلية، ومن ثم قد يترجم إلى سلوك يتسم بالعنف في مواجهة الاختلاف.
وأزمتنا اليوم تتجسد في تمسك بعض منا بالماضي الذي تشكل في فترة تاريخية معينة، مخفقاً في فهم ثقافة العصر الراهن. وفي القديم احتلت ثقافتنا الصدارة الحضارية، ثم جاءت ثقافات جديدة استمدت قوّتها من الإسلام كما استمد المسلمون عناصر من حضارتهم الزاهرة ممن سبقهم. ويمكن أن نشير هنا إلى بعض محاولات التحديث التي قادها مجدد مثل الشيخ الإمام محمد عبده، حيث نجده في الوقت الذي أشاد فيه بالعودة إلى الأصول، دعا أيضاً إلى التحديث وأخذ المفيد من الحضارة الغربية.
ويبدو أن الشعور بالتدهور الحضاري قد مثل إشكالية عندنا إلى وقتنا الحالي، والوضع قد يستمر على ما عليه طالما غاب عنا ترابط فواصل الزمن لكون بعضنا يتعامل بقطيعة مرَضية مع الحداثة، ويرتبط بالماضي ليعيش حياته ويشعر بوجوده، ومن ثم يهرب إلى حالة نكوص نعتبرها انتكاسة نفسية تصيب كثيرين في ثقافتنا. ولعلي أتذكر هنا بعضاً من الصور التي تشكل أحد مسالك المتعصبين الحياتية، حيث يقول «إمام سامودرا» المتهم في قتل 200 سائح أسترالي في جزيرة «بالي» الإندونيسية: «إن القنبلة التي دمرت الملهى الليلي قنبلة مقدسة، وإنه لو عاد الزمن لكرر فعله لإيمانه المطلق به». فمثل هذه الحالة طبعاً مرَضية، وليست حالة عابرة، وهي كذلك ليست فردية وإنما تشكل في الواقع أحد أهم أنماط السلوك الذي انتشر بين الشباب المتطرف، المغرر به. وكذلك في سياق ثقافة التطرف والتعصب والتمركز حول الذات بطريقة غير سليمة ينقل الكثير من أحكام التعميم والوهم عن رموز جماعات الإسلام السياسي مثل «الإخوان» وغيرهم من منظمات متطرفة. وفي كثير من مقولات هؤلاء تحولت المعركة المزعومة مع الغرب «الكافر»، لتمتد أيضاً إلى «دار الإسلام» باعتبار أنها «خارجة عن الإسلام»، بحسب تصنيفات ثقافتهم المنحرفة التكفيرية.

وعلى الجانب الآخر، لم يشعر العديد من الدول العربية بحجم الخطر الفكري الذي أتى على الأخضر واليابس، إلى أن تمكن من عقول كثير من الشباب. واليوم هذه الحرب الصعبة التي يشنها التحالف الدولي ضد «داعش» وغيره من جماعات العنف والإرهاب يجب أن تقترن بمحاولات إعادة إصلاح البيئة الثقافية التي فاقمت الفكر المتطرف، وإلا فإن الحرب لن تحقق أهدافها، بل ربما تزداد شراسة جماعات الإرهاب ويقوى فكرها المنحرف، لأن إغفال الجانب الثقافي والفكري لثقافة التطرف هو في حد ذاته وصفة للإخفاق. ومن ثم، فإن الضرورة تفرض نفسها لمراجعة البيئة التي رعت الفكر المتعصب، وجعلت منه ظاهرة دولية تشكل أحد أشد المخاطر التي يواجهها العالم اليوم وقد تقود إلى كوارث لا تحمد عقباها.

الآن - الاتحاد

تعليقات

اكتب تعليقك