نحن بحاجة إلى تحديث وتجديد وزارات الأوقاف!.. هكذا يعتقد خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 5, 2015, 1:06 ص 555 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / هل يمكن تحديث وزارات الأوقاف؟
خليل علي حيدر
هل لدى احد منا تصور شامل لدور وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في المنطقتين الخليجية والعربية في القرن الحالي.. وسط كل هذه التحديات السياسية والدينية والاعلامية؟
هل من الحكمة ترك هذه الوزارات، في العالمين العربي والاسلامي، معزولة وسط اداراتها وموروثاتها وعوالمها الخاصة التي تنحدر من جيل الى جيل، ومن حكومة الى حكومة، بل ومن نظام الى نظام، دون ان تكون حقا، في اغلب الاحيان، بؤرة استقطاب او مركز تجديد في المجتمع؟
منذ عقود مثلا، والعالم الاسلامي يتعرض لخطر التشدد الديني، ومحاولة «الاحزاب الاسلامية» فرض تصوراتها وبرامجها على مجتمعاته، حتى صارت هذه المؤسسة، ادارة ودعاة، في موضع الدفاع اليائس المضطرب عن النفس، وتعاظمت ادوار الدعاة الجدد، وهيمن المقال الديني المتشدد والشريط والمادة المستخدمة لمختلف اوجه الثقافة الالكترونية، بما في ذلك التعبوية منها والطائفية والارهابية، فيما لا تملك اغلب وزارات الاوقاف قوة تأثير مقابلة لها، مساوية لها ومضادة في الاتجاه؟
تدير وزارات الاوقاف العربية والاسلامية ممالك مالية تقدر ربما بالمليارات من الدولارات، فلو كانت مثل هذه الثروة بيد مجموعة حديثة من المؤسسات او الجامعات او الشركات الاعلامية لما رأى احد اثرا للكثير ممن يهيمنون على الاعلام الديني اليوم، ولما وقعنا ضحايا للقاعدة وداعش والاسلام السياسي.
تعقد وزارات الاوقاف الكثير من الندوات بين فترة واخرى، وتبحث العديد من القضايا المهمة، وترفع ما لا يحصى من الاقتراحات والتوصيات، دون ان يؤثر ذلك كله في حياة المسلمين او حتى في الحد من التطرف، وتمول نشاطات دينية لا تغير الكثير في فكر المسلمين.
اصدر مركز الاهرام للدراسات في مصر قبل سنوات تقريرا مشهورا عن «الحالة الدينية في مصر - 1995»، طُبع عدة مرات.
تحدث «التقرير» في صفحاته التي قاربت الـ400 عن المؤسسات والحركات والجمعيات والعلاقات، ومن بينها بالطبع الازهر الشريف ودار الافتاء ووزارة الاوقاف، التي تعرضت للنقد، حيث جاء فيه:
«رغم الإنفاق الهائل للوزارة على مسابقات القرآن الكريم والتي بلغت في عام 1995 ألفي مسابقة على مستوى الجمهورية وصلت مكافآتها الى ثمانية ملايين جنيه، وانشاء مقارئ ومكاتب لتحفيظ القرآن بالمساجد وانشاء ما يعرف بالمراكز الاسلامية في المساجد لتخريج الدعاة وانشاء لجان عُليا للقرآن الكريم، الا ان الوعي الديني العام في انخفاض مستمر نظرا للطريقة التي تُعرض بها الثقافة الاسلامية والتي اصبحت ثقافة تلقين وليست ثقافة تكوين والاعتماد على حفظ القرآن وليس فهمه وتدبر معانيه، والاهتمام بدراسة العقائد واصول الفقه دون بث روح الاجتهاد والاندماج في الواقع المعاصر وتوظيف الفكر الديني في خدمة القضايا المعاشة». (تقرير الحالة الدينية في مصر – 1995، نبيل عبدالفتاح، 1997، ص65).
ربما كانت كل وزارات الاوقاف الاسلامية بحاجة الى مؤسسات اعلامية او اقتصادية تقوم اليوم بدراستها من مختلف الجوانب، وتوعيتها بسلبياتها وطرق التخلص من هذه النواقص والعثرات، فما ان يطرح موضوع «التصدي للتعصب والتشدد الديني» او «تجديد فهم الاسلام» او «الحد من نشاط الجماعات الارهابية».. الا ويتطرق الحديث الى الدور المتعثر والمفقود او الغائب او غير المقنع.. للاوقاف!.
لا تحتاج وزارات الصحة او المستشفيات وشركات الادوية الكبرى ومصحات العلاج بالضرورة الى اطباء يديرونها، كي تنجح وتؤدي واجبها على النحو الامثل. وقد تكون وزارات الاوقاف كذلك بحاجة ماسة الى تخليصها بعض الشيء من الوسط الديني، الا في الجوانب التي تحتم اشرافهم عليها. واذا كان العالم الاسلامي مستاء حقا من الصورة السلبية للاسلام والمسلمين في الاعلام الدولي، فلابد ان تبحث عن مفاهيم جديدة وعصرية بعيدا عن الاوساط الدينية التقليدية، التي تحتاجها بعض المؤسسات والنشاطات الاسلامية وواجبات الوزارة، ولكن هذه الشخصيات، مع كل الاحترام والتقدير، غير قادرة على التجديد ولا هي متحمسة لعملية تطوير ستكون هي اولى ضحاياها!
لماذا لا يتداعى العالمان العربي او الاسلامي الى مؤتمر موسع لتجديد الفهم الديني ونقد الذات ومناقشة السلبيات والنظر في الكتابات الاعلامية المضادة في الغرب، أو الناقدة في العالم الاسلامي نفسه؟
بالطبع، ليس كل ما يقوله الاعلام المعارض والنقاد صحيحا، ولكن لا مهرب من دراسة موضوعية وجمع الاحصائيات ودراسة البيانات واستعراض الافكار الجديدة.
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، يقول الكاتب حسام عيتاني «صدرت دراسات عن مراكز ابحاث امريكية تحدد العنف كعلة اساسية في الاسلام، ولإحباطها اقترح كُتاب الدراسات خيارات، منها: اعادة النظر في المناهج الدراسية في عدد من البلدان الاسلامية وتعزيز «قوى الاعتدال» الاسلامي، وذهبت احدى الكاتبات الى اقتراح الصوفية كعلاج للاسلام الجهادي».
تيار عريض من الباحثين الامريكيين والغربيين في الشأن الاسلامي، يضيف عيتاني، «لم يجدوا مانعا من الاعتراف بـ«الاخوان المسلمين» كممثلين للنبض الحقيقي للشارع العربي الذي لا يمكن تصور اي حراك سياسي فيه من دون خلفية اسلامية. عُقدت ندوات وصدرت كتب واوراق بحثية كثيرة لاستطلاع إمكان الحوار مع الاخوان وبناء الجسور معهم». (الحياة 2014/9/16)، ولكننا جميعا نعرف ان الاخوان جزء من الداء، فلا يمكن ان يكونوا كذلك جزءاً من الدواء.
الفكر الديني، في المدرسة والجامع والجامعة والاعلام والمنزل بات بحاجة ماسة الى رؤى وافكار تنسجم مع الواقع الدولي الجديد، حيث نجد المسلمين في كل دولة وكل مكان، ونجد إزاءهم من يصطاد كل هفوة ويركز الاضواء على كل ما لا يتماشى مع ما هو سائد.. وقد يزداد وضع المسلمين ترديا وسوءاً.
مجتمعات العالم الاسلامي في آسيا وافريقيا وحتى في بريطانيا وفرنسا والغرب، بانتظار «حركة اصلاحية» واسعة، ربما «بروسترويكا اسلامية»، لا يجرؤ المثقون والافراد على الخوض فيها والحديث عنها، ولكن قد تستطيع المؤسسات الاسلامية ان تضع لها بعض الاطر.. على الاقل.
نحن اليوم، كما يقول مقال الحياة نفسه، «نفتقد رجال دين مسلمين يتحلون بالقدر اللازم من الشجاعة للقول إننا نحتاج الى إصلاح يتجاوز الفتاوى التي تصدر بناء على اشارات السلطات السياسية، الى ما هو اقدر على مداواة امراض كثيرة».
نحن بحاجة الى تحديث وتجديد وزارات الاوقاف!.
تعليقات