عن شهوة الهرب والاختفاء!.. يكتب وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 1375 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  شهوة الهرب والاختفاء

د. وليد الرجيب

 

في 20 نوفمبر عام 1910، تُوفي تولستوي في قرية «استابو» بمحطة للقطار، حين هرب من بيته وحياة الترف، وأصيب بالالتهاب الرئوي في الطريق، وكان قد بلغ من العمر 82 عاماً، حينها كان الثلج ينزل بكثافة وكان البرد قارساً، ودفن في حديقة ضيعة ياسنايا بوليانا. ولم يتم دفنه وفق الطقوس الدينية الأرثوذكسية، لأنه رفض أن يُدفن حسب تعاليم الكنيسة، أو أن يوضع صليب على قبره، لأنه كان كاشفاً لزيف رجال الدين والكنيسة وقتها، بعدم مناصرتها للفقراء والوقوف مع القياصرة والظلم.

ويعتبر الكونت ليف تولستوي من عمالقة الروائيين الروس، ومصلحاً اجتماعياً وداعية سلام ومفكراً أخلاقياً، وعضواً مؤثراً في أسرة تولستوي، ويعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق.

ومن أشهر أعماله روايتا «الحرب والسلام» و«أنا كارنينا»، وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.

كفيلسوف أخلاقي اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك في كتاب «مملكة الرب داخلك»، وهو العمل الذي أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتماغاندي ومارتن لوثر كينج في كفاحهما، الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.

ما يثير التساؤل حول هذا الإنسان العظيم، هو هربه من بيته ومن زوجته التي يقال إنها كانت متسلطة، فلماذا يهرب وهو كونت وروائي مشهور، كما أنه بلغ من العمر عتياً عندما هرب، هل هو هروب من المسؤولية؟ ليلقى حتفه على كرسي خشبي في محطة قطار، ويموت متجمداً من البرد وبالتهاب رئوي، أم كانت ثورة على الذات؟ ولماذا انتظر كل تلك السنوات، ليهرب وهو في سن الثانية والثمانين؟

الرغبة في الاختفاء حسب علم النفس، قد تسبب متعة لبعض الأشخاص وخاصة عند الأطفال، الذين يختبئون تحت السرير وفي الدواليب، فبعض الناس يستمتعون بجعل الآخرين في حيرة وقلق، وهو تركيب نفسي داخلي لا شعوري، بينما البعض الآخر يلتزمون بالحدود الاجتماعية والعادات والتقاليد، ويشعرون أحياناً بالقيود الداخلية، دون أن يستطيعوا أو يتجرأوا على التمرد والرفض.

فالحياة تضع الإنسان أمام مسؤوليات صعبة، لا يرغب فيها وتفقده رغبة الانطلاق والمتعة والتحرر من الالتزامات، والهروب أنواع مثل الإدمان على المخدرات والمسكرات، وقد يصل الإنسان حد عدم الاحتمال، فيلجأ إلى الانتحار لأنه لم يعد يحتمل ضغوطات الحياة، وقد يكون الانتحار بالامتناع عن تناول الطعام بلا وعي منه، لأنه ليس لديه الرغبة في الحياة.

والقيود والكوابح كثيرة في الحياة، مثل القلق من رأي المجتمع، والعادات والتقاليد، والكوابح الدينية التي يهرب البعض منها خلسة أو بالسر، والبعض لا يتجرأ حتى على التفكير برفضها، لكنه لا يعيش في حالة سلام أو تصالح مع نفسه.

غريبة ومعقدة هي النفس البشرية، مما يصعب فهمها وتحليلها أحياناً، فعلم النفس لم يسبر كل أغوار النفس، والاكتشافات العلمية مستمرة للأمراض والمشكلات النفسية.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك