الدفاع عن الإسلام في هذا العصر عملية معقدة!.. هكذا يعتقد خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 585 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  11 سبتمبر.. فرنسية!

خليل علي حيدر

 

لا ندرك الآن ابعاد معركة فرنسا مع الارهاب التي تفجرت في باريس يوم 7 يناير 2015، وتواصلت احداثها المثيرة والبالغة الخطورة بعد ذلك. غير ان الواضح لنا، مهما كانت طبيعة الصور والمواضيع التي دأبت مجلة «شارلي ابدو» الهزلية على نشرها، ان مسلمي اوروبا امام كارثة كيانية تمسهم جميعا، ان كانت ردود افعالهم على كل من ينشر صورا أو ينتج فيلما يمسهم أو يسيء اليهم، ستكون بالرصاص والقتل والهجوم الارهابي المسلح، وابادة هيئة تحرير المجلة، وحرق الاستديوهات، وتصفية اعضاء مجالس الادارة، وربما الباعة في المعارض التجارية!
ان ارهابيي القاعدة وداعش خاصة، ليسوا اعداء مثقفي ورسامي فرنسا والغرب وحدهم، فنحن في العالم العربي والاسلامي اول ضحاياهم. الا ان رسوخ تقاليد حرية الفكر والعقيدة في فرنسا والغرب، تجعل تلك الدول خط الدفاع الاول، واذا خسر الاوروبيون معركتهم مع ارهاب الاسلام السياسي، ومع قوى النحر والتفجير، ومع خلايا القاعدة وداعش الكامنة والمتربصة، فسنخسرها معهم!
بالطبع، ليس كل ما يقوله أو يكتبه أو يرسمه الغربيون يعبر عن آراء الكُتاب والفنانين والصحافيين في العالمين العربي والاسلامي. ولكن حرية الفكر واحترام حق التعبير والاختلاف لا يعرفان الحدود الجغرافية. وان انتكست هذه القيم في الغرب، ولم تستطع اوروبا والولايات المتحدة وضع حد للارهاب، وفشلت في حماية الصحافيين والكتاب والفنانين في بلادها، مهما اختلفنا معهم واعترضنا على منتوجهم ومنشورهم، فإن اسكات الناشطين في مجال الثقافة والنشر وادب الاعتراض داخل البلاد العربية والاسلامية، سيكون اسهل. فالجماهير نفسها تزايد احيانا على السلطات وتنافسها في قلة التسامح والتعصب، كما ان التخلص من الازعاج الثقافي والفني.. أيسر!
قلة نادرة من عموم الجمهور حتى في فرنسا نفسها كانت معجبة بأسلوب ومضامين مجلة «شارلي إبدو» ضد الرموز الدينية المقدسة في اليهودية والمسيحية والاسلام. وكان باستطاعة ممثلي هذه الاديان والصحافيين الاسلاميين وغيرهم ان يردوا على المجلة أو ينشروا ما يجتذب الجمهور دفاعا عن اديانهم ومقدساتهم. غير ان المسلمين في الغرب، لا يدرسون للاسف قنوات الرد السلمي والوسائل المضادة لأفكار خصومهم، وبخاصة في مجال الكتابة والثقافة والفنون ووسائل التعبير عن الاعتراض، وسرعان ما يقعون ضحايا للتعبئة الدينية ودعوات العنف، الصادرة اليهم غالبا من شيوخ العالم العربي وباكستان وبعض الدول الخليجية وغيرها. وهكذا يدمرون مصالحهم بأيديهم كأقلية، ويطلقون النار على أقدامهم، ويضيقون الخناق على الاسلام نفسه!
كم من المسلمين استفاد مثلا بشكل حضاري عبر نحو 70 سنة من الاقامة في اوروبا والغرب، وطور هناك فكرا اسلاميا جديدا، أو انشأ مؤسسات ثقافية عصرية، أو ابرز تيارا انسانيا معطاء في مجالات حل بعض مشاكل مجتمعاتها ومجتمعاتنا؟
بل ان ما نشاهده هو العكس تماما، حيث لا يصدر مسلمو بريطانيا وهولندا وفرنسا وألمانيا الينا، سوى الارهابيين والارهابيات.. والدواعش!
ولعل في مقدمة اسباب تشنج المسلمين في اوروبا وامريكا ان الاسلام ونشاطات الدعوة والمساجد والاعلام الديني هناك بيد جماعات الاسلام السياسي من اخوان وسلف وحزب دعوة وحزب تحرير والجماعات الدينية الآسيوية الباكستانية خاصة والماليزية وغيرها، و«كل جماعة ولا اختها».. كما يقول اهل الشام!
نشاط هذه الجماعات وافكارها الواسعة الانتشار بين مسلمي اوروبا وامريكا، اخطر عليهم وعلى الاسلام نفسه وعلى الجاليات الاسلامية هناك، من مائة مجلة معادية من امثال «شارلي ابدو» أو كتاب مثل «اشعار شيطانية» لسلمان رشدي!
فهذه الجماعات تحول كل مسلم الى خلية كامنة أو احد ارهابيي المستقبل، حيث لا تجد احد الارهابيين الا ويكون قد تتلمذ في بعض جماعات الاسلام السياسي.. قبل ان يتخرج!
هناك مشكلة أعمق في ثقافتنا الدينية بحاجة الى دراسة علماء الدين وشيوخه ممن يهمهم الانتشار العالمي للاسلام. فحتى المسلم المعتدل العادي غير المسيس وغير الحزبي وغير الارهابي، بل وحتى الجامعي والاستاذ، يؤيد غالبا استخدام العنف وحتى القتل، أو على الاقل السجن والاسكات، لأي كاتب مسلم أو غير مسلم، ينشر أو يقول شيئا، يعتبره هذا المسلم العادي «مسيئاً للاسلام»، بل ويرفض حتى محاكمة مثل هذا الشخص أو فتح باب الحوار معه، بل قد يفرح ان قام احدهم بتصفيته أو انتقمت منه السلطات، ولا يجد بأساً في هدر حقوقه!
نحن اذن، داخل مجتمعاتنا وفي اوروبا وامريكا، لا نتصرف احيانا كثيرة بشكل سلمي راقٍ، وبوسائل فكرية بحثية مماثلة، تحتكم الى عقول القراء والجمهور. ونفضل، بإيحاء من الاحزاب الاسلامية غالبا، اثارة جماهير المصلين والسلطات المسؤولة، وهكذا نقضي على أي مساحة للحوار والنقاش والبحث، ويكون القمع والاسكات والتهديد والطرد هو سيد الموقف، ولهذا ستبقى ازمتنا مع الغرب دائمة!
ينبغي للمسلمين ان يقتنعوا تمام الاقتناع ان «الدفاع عن الاسلام» في هذا العصر عملية معقدة، قد تكون ذات ابعاد كارثية على الاسلام نفسه ومصالح المسلمين العريضة، وبخاصة ان قامت به جماعات لا تعرف من اسس النقاش الا «الافحام» والاسكات، أو تولته جماعات العنف والجهاد، كما حدث يوم امس في باريس وقليلا ما يأخذ بالاعتبار فرسان الجهاد هؤلاء، ان المسلمين اليوم اكثر من مليار ونصف المليار، وانهم موجودون في 180 دولة، وانهم بحاجة الى الآخرين اكثر من حاجة الآخرين اليهم، وانهم مواطنون في دول كثيرة قبل ان يكونوا مسلمين تنطبق عليهم قوانين تلك الدول اكثر من شرائع الاسلام، وان مصالح العرب والمسلمين شديدة الارتباط بمصالح غير المسلمين، من مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس، ومن لا يرتبط بأي دين، وهو ارتباط يمتد الى مجالات سياسية واقتصادية دولية، وحاجات الى خدمات صحية وتعليمية وعشرات الحوائج والعلاقات الاخرى.
ومن هنا، فإنها حماقة ما بعدها حماقة ألا نتدبر قضايا الحسبة، ونباشر «تغيير الباطل» باليد والسيف والرشاش، ونطلق الرصاص في الواقع على انفسنا في دول توفر للمسلمين حياة يحلم بها الكثيرون في بلادنا. المجد لفرنسا رائدة الحرية، التي لم يتقن المسلمون منذ ايام جمال الدين الافغاني قبل اكثر من قرن الى الآن، كيف يطورون انفسهم وفكرهم وسلوكهم وفهمهم لدينهم.. للاستفادة منها!

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك