شخصنة الصراع وراء عجزنا عن تقديم حلول واقعية لوضعنا السيئ!.. هذا ما يراه الديحاني

زاوية الكتاب

كتب 639 مشاهدات 0


الجريدة

حول التفسير السطحي للصراع السياسي

د. بدر الديحاني

 

التفسير السطحي لحركة التاريخ والصراع السياسي في المجتمع يكتفي بالمشهد الأخير البارز على السطح، ولا يبحث في الأسباب الجذرية التي أدت إلى ذلك، إذ إن أصحاب التحليل السطحي لا يدركون أن هناك قوانين عامة تحكم تطور المجتمعات البشرية، وأن أي  صراع سياسي ما هو إلا تعبير عن صراع اقتصادي-اجتماعي؛ لذا فإنهم يُركّزون دائما وأبداً على مظاهر الصراع وأعراضه، وعلى تصرفات الأشخاص الناشطين في الساحة السياسية ويصورونها وكأنها هي المحور الأساسي للصراع في المجتمع.
 بمعنى آخر هم 'يشخصنون' الصراع السياسي ويصورنه وكأنه 'معركة' أشخاص فقط، فتجد بعضهم يتهكم على أسماء بعض، وأحيانا يطلقون صفات معينة على خصومهم السياسيين بغية الحط من قدرهم الشخصي، ثم يطرحون قضايا هامشية وجانبية، ويسطحون القضايا العامة التي تهم الناس، ويقفزون على أسبابها العميقة، وتعقيدات الصراع السياسي وتشابكاته، ناهيك عن عدم معرفتهم أو استخفافهم بطبيعة المرحلة السياسية، وما تتطلبه من اصطفافات وتحالفات سياسية، وما يمثله الأشخاص البارزون على الساحة السياسية من مصالح اجتماعية-اقتصادية لفئات وشرائح وطبقات اجتماعية.
وغنيّ عن البيان أنه كلما ارتفع مستوى الثقافة السياسية والعامة لدى العاملين في الشأنين السياسي والعام ارتفعت قدرتهم على التحليل النظري-العلمي، وتطور فهمهم لواقع مجتمعهم ومتطلبات تطوره، بحيث يتم الأخذ في الاعتبار المواءمة السياسية، وأولويات التطور والإمكانات، فتُرفع شعارات سياسية واقعية تُصاغ بناء على طبيعة الأهداف على ألا يتم الخلط بين الأهداف الاستراتيجية والأهداف المرحلية التي يتم تحديد كل منها بحسب طبيعة الصراع الأساسي في المجتمع، ونوعية القوى الاجتماعية –الاقتصادية المتصارعة، ومتطلبات كل مرحلة من مراحل الصراع السياسي.   
وفي واقع الأمر فإن عدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنيّة ديمقراطية، بحيث يطرح كل تنظيم سياسي برامج اقتصادية-اجتماعية مُعبّرة عن مصالح من يُمثلهم، أدى إلى عدم تطوير الحياة السياسية والديمقراطية، بحيث يكون هناك عمل سياسي حقيقي يستهدف المنفعة العامة، ويديره محترفون يمتلكون فهماً نظرياً ومهارات قيادية، وثقافة عالية وسعة اطلاع، وهو الأمر الذي ترتب عليه تدني مستوى الثقافة السياسية، وانخفاض الوعي العام لغالبية الناشطين في المجالين السياسي والعام، أو الممارسين للعمل السياسي، ومن ضمنهم أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية (أغلبهم لم يمارسوا في حياتهم العمل السياسي أو العام!).
 لذلك فإنهم يتبنون التفسير السطحي للواقع المُعقّد والمُتغير؛ مما يجعلهم غير قادرين على فهم تعقيداته وتناقضاته، أو معرفة طبيعة الصراع الأساسي في المجتمع، فيطرحون برامج متخلفة، ويرفعون شعارات سياسية غير واقعية، وبالتالي يعجزون عن تقديم حلول عملية للمشاكل العامة، أو طرح بدائل علمية وواقعية للوضع السيئ الحالي.

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك