محنة اليونان تؤكد أن وحدة الدول سهلة الإعلان صعبة الدوام!.. برأي خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 582 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  شعب الإغريق.. في الديون غريق!

خليل علي حيدر

 

دولة اليونان اليوم، بحاجة إلى كل ما في تراثها من فلسفة وحكمة، كي تخرج من أزمتها المالية الخانقة، فالدائنون مع بداية هذا العام 2015، يطرقون الأبواب بلا رحمة، والعاطلون من شباب اليونان في ازدياد، وفوائد الديون تتراكم، ونتائج هذا الاختناق المالي الذي سببته ديون حجمها 240 مليار يورو.. كارثية بكل المقاييس.
وزير مالية هولندا صرح بأنه «غير متفائل بشأن جدوى استمرار المحادثات مع اليونان». وانتهى صبر الالمان، اهم الدائنين وقائدة الاتحاد الاوروبي وسند عملته الموحدة «اليورو»، فقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل «حدث تخلٍ طوعي من قبل الدائنين الخاصين، وتخلت المصارف عن مليارات من الاموال لليونان، ولا ارى أي شطب جديد للدين». (الشرق الاوسط 2015/2/15).
وبعد اسبوع من هذا التصريح، قال تقرير اخباري الماني «ان البنك المركزي الاوروبي يستعد لخروج اليونان من منطقة اليورو، وان موظفي البنك يجهزون خطط طوارئ بشأن كيفية الحفاظ على سلامة باقي الكتلة. وقال وزراء آخرون ان على اليونان التسديد الكامل لديونها والتزاماتها بشروط برنامج الانقاذ المالي الذي حصلت عليه في عام 2010 بقيمة 240 مليار يورو» (القبس، 2015/2/21).
خروج اليونان من الاتحاد الاوروبي، وان لم يحصل حتى الان، اضاف كلمة جديدة الى مصطلحات السياسة الدولية وهي Grexit وتعني «خروج اليونان»، يكثر تداولها اعلاميا.. لكن مع وجود %74 من الشعب اليوناني يفضلون البقاء في الوحدة النقدية وفي الاتحاد الاوروبي ف«الانسحاب من الوحدة النقدية يستلزم الانسحاب من عضوية الاتحاد الاوروبي ايضا.. فالمواد 2 و4 و118 ،4 – 123 تشير صراحة الى ان أيا من دول الاتحاد الاوروبي التي تختار الانضمام الى الوحدة النقدية لا يمكنها الانسحاب منها فيما بعد، لذلك فالطريقة الوحيدة التي تستطيع فيها اليونان الانسحاب من اليورو هي ان تطلب تعديل الاتفاق، لكن طلبا كهذا يتطلب من اكثر الدول الاعضاء البالغ عددها 27 دولة عمل استفتاء شعبي». «الحياة 2015/2/11).
انسحاب اليونان من الوحدة النقدية، تؤكد الاقتصادية اللبنانية «ذكاء مخلص الخالدي» في نفس المقال، «يعتبر انتهاكاً لكل اتفاقات الاتحاد، وسيربك الانسحاب من الاتحاد الاوروبي الهياكل القانونية والادارية والمؤسسية التي استنفدت اليونان وقتا طويلا لجعلها منسجمة مع متطلبات الاتحاد ولن يكون من مصلحتها تغييرها، وفي حال انهيار النظام المصرفي اليوناني ستنتقل عدوى الانهيار بسرعة الى بقية الدول الاعضاء التي تعاني مشكلة ديون سيادية، ومن ثم الى بقية النظام المصرفي الاوروبي وربما الى بقية النظام العالمي».
وتضيف الباحثة الاقتصادية ان الاتحاد الاوروبي لابد ان يعترف «بأنه اخطأ أولا عندما استعجل قرار الوحدة النقدية، واخطأ ثانيا عندما تبناها ناقصة حيث اوجد مصرفا مركزيا اوروبيا ولم يجد وزارة مال اوروبية تدير شؤون الديون السيادية، واخطأ ثالثاً عندما قبل ان تنضم الى هذه الوحدة دول ضعيفة اقتصادية مثل اليونان وايرلندا والبرتغال واسبانيا، وأخطأ رابعاً عندما لم يكن جادا في تطبيق شروط معاهدة ماسترخت على الدول الاعضاء لجهة نسبة عجز الموزانة وحجم الدين العام، فقرار الوحدة النقدية كان قرارا سياسيا اتخذته ادارة الاتحاد الاوروبي».
الاستاذ في كلية الاقتصاد بلندن «ديفيد غريبر» يدعو بحماس الى الغاء ديون اليونان جملة وتفصيلا ويقول: «الغاء الديون هو السبيل الوحيد لانتشال اليونان من براثن الفاشية، ورفض ألمانيا الغاء ديون اليونان غريب، فأحد اسباب ازدهار ألمانيا هو اطفاء كل ديونها غداة الحرب العالمية الثانية، وجدير بالالمان الا ينسوا هذه السابقة». (نفس الصحيفة).
يحمل هذا الاخفاق اليوناني الاوروبي الكثير من الدروس والعبر لنا في العالم العربي والاسلامي، وبخاصة في مجال العمل الجماعي وقرارات التنسيق والاتحاد، فنحن ربما اسرع شعوب الارض في اتخاذ القرارات وتبني المواقف تحت ضغط الظروف، ومراعاة ل«ماء الوجوه» و«الكلمة التي لا تنزل الى الارض» وغير ذلك، وما ان تبرز مشكلة سياسية او امنية او حتى اجتماعية وتعليمية، الا ونتنادى لبحثها ارتجالا، والخروج بحل يرضي كل الاطراف خلال يوم او يومين.. ثم ننسى كل ما قلنا وما التزمنا به!
وتؤكد محنة اليونان الحالية ان وحدة الدول سهلة الاعلان ولكنها صعبة الدوام الا بجهد شعبي وعطاء اقتصادي وتضحيات يومية ولفترات ممتدة، والاصعب دواما من الاتحاد السياسي «الوحدة النقدية»، اننا لا نزال في دول مجلس التعاون الخليجي نبحث موضوع الدينار الموحد او الدرهم او الريال، فما احوجنا الى الغوص في اعماق توحيد العملة الاوروبية ومشاكلها والمؤسسات المالية في تلك البلدان.
وتظهر المشكلة اليونانية حالة نموذجية من غيبوبة الناس عن مخاطر الحياة السياسية والاقتصادية المعاصرة، حيث يتخلف الانتاج ولا يكترث الشعب، وينتشر الفساد الاداري والمالي ولا يهتم قادة الادارات والوزراء وموجهو الاعلام، وتنشر الحقائق والارقام في المؤسسة المحلية والهيئات الدولية فلا يتوقف لدراستها احد!
والكثير من مثل هذه السلبيات بعض ما نعاني في ادارتنا الحكومية من المحيط الى الخليج!
واخيرا، مع تدهور الاقتصاد اليوناني وظهور عجزها، لا استطيع ان اتجنب مقارنتها بدولة مثل كوريا الجنوبية والعديد من الاقتصادات الآسيوية الناجحة، فاليونان دولة فقيرة بالخامات مثل كوريا واليابان، فلماذا لم تبرز في مجالات الصناعة الالكترونية وتصدير البضائع بل وحتى صناعة السفن؟
%60 من تلفزيونات اوروبا، تؤكد الصحف، من كوريا الجنوبية! %40 من شركة سامسونغ و%23 حصة منافستها «ال – جي»، في حين كانت شركة «سوني» اليابانية في المركز الثالث.
وقال محللون «ان المستهلكين في اوروبا يفضلون في الغالب التلفزيونات الراقية على التلفزيونات منخفضة التكليفة، لذلك فالشركات الكورية الجنوبية في وضع افضل». (الجريدة، 2015/2/25).
وقد ذكرت صحيفة الشرق الاوسط في 2015/1/2، ان نمو صادرات كورية الجنوبية كان اكثر من المتوقع في ديسمبر الماضي، ومن جهة اخرى اظهرت بيانات حكومية ان صادرات كوريا الجنوبية الى اسواقها الثلاث الكبرى – الصين والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي - ارتفعت حيث قفزت الصادرات الى الولايات المتحدة بنحو %22. 
لن يقدم النموذج الكوري الجنوبي اي حلول فورية لليونان، فالاوضاع هناك متدهورة، واذا كان الباحث في الشؤون الآسيوية د.عبدالله المدني يتمنى ان تتاح للعالم العربي مجرد «فرصة للاقتباس من التجربة الكورية الرائدة في قهر المستحيل علنا نتمكن من تخفيف سرعة الانحدار»، فان اقتباس تجربة الكوريين في التعليم والبحث العلمي و«ايلاء الشأن الاقتصادي والتنموية اهمية اكبر بكثير من الشأن السياسي»، يبدو مستبعدا للاسف.. يونانيا وعربيا!
كيف سيتعامل اليونانيون مع العملة الجديدة اذا خرجت بلادهم من منطقة اليورو؟ هل ستكون قيمتها متدنية مقابل العملة الاوروبية؟ وهل ستترنح البنوك فيما ترتفع معدلات الفائدة وتفلس الشركات وتتضاعف حالات التعثر؟ لقد تلت اعلان الارجنتين الافلاس عام 2001 اعمال شغب ونهب عنيفة، كما تقول «دير شبيغل» المجلة الالمانية الشهيرة، وتضيف ان مثال الارجنتين «يظهر ايضا كم يحتاج الاقتصاد من وقت ليتعافى من ازمة مماثلة» (الجريدة، 2015/3/1).

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك