علي الطراح يكتب عن - العرب وحالة الانهاك
زاوية الكتابكتب نوفمبر 1, 2015, 1:30 م 826 مشاهدات 0
تحولت المنطقة العربية وبشكل دراماتيكي، إلى محطة للصراع الدولي. وجاءت التطورات سريعة لا يمكن مواجهتها في ظل التشتت العربي، وغياب الرؤى المشتركة، ما ينبأ بأن المنطقة مقبلة على تحولات عميقة لا نعرف مداها وتداعياتها. هذه الأوضاع المربكة جعلت من كل دولة عربية تبحث عن مخرج لعلها تنجو بنفسها مما هو قادم. التناقضات العربية لا يمكن حلها، ولا يبدو في الأفق ما يجعلنا نستبشر بخيارات إيجابية تنقذ الوضع المعقد. والتساؤل الكبير حول دور المواطن والقوى الاجتماعية والسياسية التي لم تعد تدرك كيفية صنع القرار، وكيفية إدارة الصراع الذي يواجه المنطقة. قد يخيم التشاؤم على العقل ويجعلنا في حالة ضياع كاملة تضعف الأمن الوطني لكل قطر عربي، وهذا ما تجب مواجهته في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة. مازال التفكير العربي بمجمله يتوجه نحو الأمن بمفهومة التقليدي، ومازال المواطن لا يشكل نقطة استقطاب للدولة القطرية، ما يُسهل عملية التقطيع والتفتيت التي لمت بالمنطقة دون أن يصاحب ذلك محاولة جادة لوضع تصور مشترك بين الأقطار العربية التي تعيش أعصى مرحلة في تاريخها.
تحالفت ألمانيا والدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى تحت شعار «عدو عدوي صديقي»، وتبلورت شعارات التلاعب بالتناقضات الدينية والعرقية لأجل إضعاف روسيا وبريطانيا. ورفعت الإمبراطورية العثمانية شعار الجهاد ودعمتها ألمانيا، فكان الهدف تثوير ودعم الحركات المتمردة وفق مذكرات البارون الألماني ماكس فون. وما يحدث اليوم هو شبيه بما حدث في الحرب العالمية الأولى، حيث تم بث النعرات الطائفية وتمزيق المنطقة العربية وتعميق الانقسام الاجتماعي وتدمير البناء المؤسسي للدولة كما حدث في العراق عندما غيبت المؤسسة العسكرية، وتطوير ما يعرف بالحشد الشعبي المذهبي.
المنطقة العربية تواجه «مطبات» كبيرة لا تقابل باستراتيجية عربية موحدة في كيفية التصدي للمتغيرات السريعة.
كما أن دخول إيران في المشاركة السياسية لحل الأزمة السورية يعبر عن توجهات منسجمة لما حدث في الاتفاق النووي، وهو ما يفسر تغيير ميزان القوى في المنطقة، وربما بمباركة بعض الحلفاء الغربيين. وفي ظل هذه الفوضى، يصعب علينا التنبؤ بما هو قادم، إلا أننا ربما نستنبط بأن سيناريو التقسيم أو إنهاك بعض من دولنا العربية، هو ما يبدو يلوح في الأفق.
إذن نحن أمام تطورات غريبة وسريعة وبطء عربي في التعامل، لا يجد بدائل عملية لمواجهة ما يعرف بالفوضى الخلاقة، ونرى أنه من المهم تشخيص الخلل في صنع السياسات العربية، سواء المشتركة أو القطرية التي سهلت مهمة التجزئة والإنهاك لدولنا العربية. نرى أن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد، وعلى صناع القرار مواجهة هذه التطورات من خلال بدائل سياسية جديدة تسعى لتكوين تحالفات تخرج عن الحدود الجغرافية المعتادة، ولعل من المهم الالتفات إلى الثقل الإسلامي في إندونيسيا وماليزيا، ومحاولة صياغة سياسة مشتركة تخفف الضغط على المنطقة العربية وسياسة استهداف الإسلام التي اتضحت جلياً في تقديم نماذج تكفيرية تشوش الصورة الإسلامية.
استمرار السلبية العربية في التعاطي مع المتغيرات السريعة، ستقود إلى مزيد من الدمار والاستفراد بالدولة القُطْرية. ولعل تطوير «التحالف العربي» في حربه مع «الحوثيين» والرئيس المخلوع قد يبلور رؤية جديدة لبناء نظام عربي يضع في اعتباره طبيعة المتغيرات التي تواجهها المنطقة، ورسم أولويات تعالج الخلل وحالة الإرباك التي يعشها العرب. فالأزمة باتت تضرب العمق العربي.
تعليقات