في دراسة قانونية عن حكم جنسية البرغش

محليات وبرلمان

فيصل اليحيى: استدلالات المحكمة بعدم الإختصاص مخالفة لأحكام أخرى

7328 مشاهدات 0

فيصل اليحيى

حصلت دراسة قانونية للمحامي فيصل اليحيى تتعلق بحكم الدائرة الإدارية بمحكمة الاستئناف الصادر في الاستئناف بشأن الطعن على قرار سحب الجنسية عن عائلة البرغش، وفي ما يلي نص الدراسة:

لا يزال الجدل مستمرا حول القرارات الحكومية الصادرة في صيف عام 2014 بشأن سحب الجنسية عن عدد من المواطنين، وقد زاد الجدل حول الموضوع خاصة بعد صدور حكم محكمة الاستئناف في القضية التي باتت تعرف باسم قضية البرغش، والتي انتهت المحكمة فيه إلى: 'إلغاء حكم محكمة أول درجة وبعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى.'
وكانت محكمة أول درجة قد انتهت بقضائها إلى: 'قبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري المطعون عليه (الخاص بسحب جنسية المدعين) وما ترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعين مبلغ خمسة آلاف وواحد دينار على سبيل التعويض المؤقت.'
ولأهمية الموضوع وأثره – على كافة المستويات حاضرا ومستقبلا–نتناول حكم محكمة الاستئناف الأخير بالتحليل والتعليق، وذلك على ضوء النصوص القانونية القائمة،وما دُرجَ عليه في تطبيقها على الحالات المماثلة، وما استقرت عليه المبادئ القضائية في هذا الشأن، وذلك على النحو التالي:

أولا: الأساس الذي قام عليه حكم محكمة الاستئناف وما انتهى إليه من نتيجة في قضائه:
أسس الحكم المشار إليه قضاءه على سند من القول: 'أن والد المستأنف ضدهم لم يكن يحمل الجنسية الكويتية حتى وفاته، وأن المستأنف ضدهم لم يتقدموا بطلب الحصول على شهادة الجنسية إلا بعد بلوغهم سن الرشد، ومؤدى ذلك ولازمه أنهم لم يكتسبوا الجنسية الكويتية تبعا لوالدهم برابطة الدم وبالتالي فإن الجهة الإدارية هي التي منحتهم الجنسية الكويتية بوصفها سلطة حكم وعليه فإنه لا يسري بشأنهم نص المادة الثانية من قانون الجنسية والتي جرت أحكام محكمة التمييز على اختصاص القضاء الإداري بنظر المسائل المتعلقة بها وأن ما عدا ذلك يخرج عن اختصاص القضاء الإداري بحسبها من المسائل المتعلقة بأعمال السيادة.'
وهذه النتيجة التي توصل إليها الحكم هي التي قادته للقضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى.

ثانيا: التعليق على ما جاء بالحكم من أسباب:
سوف نتناول بالبحث والتحليل والتعليق – بالأسطر القليلة الآتية – مجمل هذه المواضيع التي تطرق إليها الحكم والأفكار التي تبناها، وذلك في النقاط التالية:

1.    من هم الكويتيون بالتأسيس وبصفة أصلية وفقا للقانون:
    نصت المادة (1) من المرسوم الأميري رقم 1959 بقانون الجنسية الكويتية (المتعلقة بالجنسية بالتأسيس) على أن: 'الكويتيون أساسا هم المتوطنون في الكويت قبل 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم العادية فيها إلى يوم نشر هذا القانون. وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع.'
في حين نصت المادة (2) من ذات القانون (المتعلقة بالجنسية بصفة أصلية) على أن: 'يكون كويتيا كل من ولد، في الكويت أو في الخارج، لأب كويتي.'
    ونص المادة (1)– على النحو الوارد بها –تحدد من ينطبق عليه وصف الكويتي بالتأسيسبأنه كل من توطن في الكويت قبل 1920 وحافظ على إقامته العادية فيها إلى يوم نشر القانون في عام 1959، فإذا توفي هذا الشخص قبل نشر القانون واستمر ابنه الذي ولد بعد 1920 متوطنا في الكويت ومحافظا على إقامته العادية فيها حتى تاريخ نشر القانون فإن إقامة الأب المتوفى تكمل إقامة الولد التي تعتبر في هذه الحالة وكأنها قد بدأت قبل عام 1920، باعتبار أن إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع، على النحو الوارد بالنص. (أنظر في هذا المعنى الدكتور/ رشيد حمد العنزي، الجنسية الكويتية دراسة للنظرية العامة للجنسية وللمرسوم رقم 15 لسنة 1959 بشأن الجنسية الكويتية وتعديلاته، جامعة الكويت، طبعة 1995، صفحة 73)

كما تحدد المادة (2) من ذات القانون الكويتيون بصفة أصلية بأنهم كل من يولد لأب كويتي.
وعليه فإنه بمجرد تحقق شرطي التوطن والإقامة العادية بالكويت - وفقا لنص المادة (1) المشار إليها – يترتب عليه اعتبار الشخص كويتيا بالتأسيس، وقرار الجهة الإدارية بمنحه لشهادة الجنسية في هذه الحالة يعد قرارا كاشفا لمركزه القانوني المستقر والثابت والمستحق له بتحقق هذين الشرطين، وليس قرارا منشئا لهذا المركز، وهو يستمد هذا المركز من القانون مباشرة باعتباره كويتيا بالتأسيس وليس من قرار جهة الإدارة.
وما تقدم بشأن الجنسية بالتأسيس ينطبق على الجنسية بصفة أصلية التي تكون مستحقة لكل من ولد لأب كويتي بقوة القانون باعتبارها لصيقة بواقعة الولادة دون حاجة إلى صدور قرار بذلك من الجهة الإدارية أو أي إجراء آخر متى ثبت على وجه قاطع دون منازعة تسلسل المولود عن أب كويتي وثبوت نسبه منه. (أنظر في هذا المعنى حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 71 لسنة 2007 إداري جلسة 16/3/2010)
    ولتقريب الصورة للقارئ في شأن الفرق بين القرار الكاشف والقرار المنشئ نضرب لذلك مثلا من قانون الجنسية، حيث فرق القانون بين الجنسية بالتأسيس أو الأصلية التي يستمد المواطن حقه فيها من القانون مباشرة، وبين الجنسية بالتجنس أو الاكتساب والتي تستلزم تدخل جهة الإدارة لإصدار قرار بمنحها، ففي الحالة الأولى (المتعلقة بالجنسية بالتأسيس والأصلية) يكون قرار جهة الإدارة بمنح شهادة الجنسية - لمن تحققت فيه شروطها - قرارا كاشفا للمركز القانوني للمواطن والذي يستمد حقه فيه من القانون مباشرة باعتباره كويتيا أصلا حتى قبل حصوله على شهادة الجنسية التي تعد إثباتا لهذا الحق وليست منشئة له، أما الحالة الثانية (المتعلقة بالجنسية بالتجنس أو الاكتساب) فإن الحاصل عليها لا يكون كويتيا أصلا في نظر القانون قبل صدور قرار جهة الإدارة بمنحه إياها وهو لا يكتسب صفته ككويتي إلا من تاريخ هذا القرار وليس قبل ذلك، وبالتالي فإن قرار جهة الإدارة بمنحه للجنسية في هذه الحالة يكون منشئا لمركزه القانوني الجديد باعتباره كويتيا بالتجنيس.
    وبعبارة أخرى فإن من شروط الحصول على الجنسية المكتسبة أو بالتجنيس أن يصدر قرار من جهة الإدارة بمنحها وذلك في إطار سلطتها التقديرية التي تجريها بحسب ما تراه محققا للمصلحة العامة دون إلزام عليها في ذلك، أما بالنسبة للجنسية بالتأسيس أو بصفة أصلية فإن جهة الإدارة لا تصدر قرارا بمنح الجنسية باعتبار أن مصدر الجنسية في هذه الحالة هو القانون، ويكون عملها قاصرا فقط على تزويد صاحب الحق بشهادة الجنسية التي تعتبر أثرا من آثاراستحقاق الجنسية وليس شرطا لها، وهي في قيامها بهذا الدور الأخير تكون مقيدة في حدود القانون الذي يفرض ما يجب عليها القيام به ولا يعطيها أي سلطة تقديرية في هذا الشأن.
    وبناء على ما تقدم ووفقا للنصوص المشار إليها فإن كل من توطن في الكويت قبل 1920، وكان محافظا على إقامته العادية فيها إلى يوم نشر القانونعام 1959، يكون كويتيا بالتأسيس، كما أن كل من يولد لأب كويتي يكون كويتيا بصفة أصلية، وتكون الجنسية مستحقة لهم بنص القانون دون تدخل جهة الإدارة التي تكون ملزمة بإصدار شهادة الجنسية لهم إذا ما ثبت بشأنهم تحقق شرطي التوطن والإقامة في الحالة الأولى وثبوت والنسب للأب في الحالة الثانية على النحو المشار إليه، وقرار جهة الإدارة بإصدار شهادة الجنسية لهم يكون قرارا كاشفا لمركزه القانوني ككويتي وليس منشئا لهذا المركز على نحو ما سلف البيان.

2.    تطبيق القواعد المتقدمة على وقائع الحالة الصادر بمناسبتها حكم الاستئناف:
    من الثابت بأوراق الدعوى – دون أن يقدم أثناء تداولها ما يثبت غير ذلك أو عكسه – أن والد المستأنف ضدهم كان متوطنا بالكويت وظل محافظا على إقامته العادية فيها - وفقا لنص المادة (1) من قانون الجنسية - حتى وفاته في أواخر عام 1962، أي بعد صدور قانون الجنسية ونشره في عام 1959، إلا أنه حال حياته لم يتخذ الإجراءات اللازمة لاستخراج شهادة الجنسية.
    ومقطع النزاع ودائرة البحث تتركز حول مدى اعتبار والد المستأنف ضدهم كويتيا بالتأسيس وفقا لنص المادة (1) من الجنسية، أم أنه لا يعتبر كذلك كونه لم يستخرج شهادة الجنسية حال حياته وقبل وفاته.
    وبالرجوع إلى النص – المشار إليه – يتبين أنه قرر بشكل قاطع لا لبس فيه وواضح لا غموض معه أن الكويتيين بالتأسيس هم كل من توطن في الكويت قبل عام 1920 وظل محافظا على إقامته العادية فيها حتى يوم نشر القانون في 1959، وعليه فإن حصول أي منهم على شهادة الجنسية يأتي كنتيجة طبيعية لتحقق شرطي التوطن والإقامة فيه، وهي تعد بذلك إجراء لاحقا على تكوُنْ المركز القانوني للمواطن وكاشفا عنه، ولا يكون إصدارها إلا إقرارا واعترافا وإثباتا لهذا المركز الذي تحقق وجوده أصلا قبل ذلك، فضلا عن أن عدم استخراجها لأي سبب من الأسباب - كالمرض الذي أقعد صاحبه عن القيام بالإجراءات اللازمة لذلك - لا ينفي عن مستحقها صفته باعتباره كويتيا بالتأسيس وفقا لنص القانون بمجرد تحقق اشتراطاتها.
    والوقائع السابقة ليست جديدة ولا فريدة في الواقع الكويتي، وقد سبق أن أثيرت أمثالها بمناسبة أشخاص توطنوا في الكويت قبل عام 1920 وظلوا محافظين على إقامتهم العادية فيها حتى صدور قانون الجنسية عام 1959 إلا أنهم توفوا قبل أن يقوموا باستخراج شهادات الجنسية، وقد حسم الرأي فيها – من خلال التفسير الصحيح لمواد قانون الجنسية - باستحقاقهم وأبنائهم للجنسية الكويتية بالتأسيس وبصفة أصلية بحسب الأحوال.
    ومن ذلك السؤال الذي وجه إلى إدارة الفتوى والتشريع بخصوص الوضع القانوني لشخص كان يعمل حارسا بوزارة الداخلية واستشهد أثناء تأديته للواجب في 26/9/1960 وأن الوزارة استمرت في صرف راتبه لعائلته من تاريخ وفاته حتى صدور قرار مجلس الوزراء رقم 18/76 الذي نص على أن الخفراء الكويتيين فقط يستحقون معاشا تقاعديا. وقد ثبت أن المذكور لم يحصل على شهادة الجنسية الكويتية، ولم يتقدم إلى لجان تحقيق الجنسية لإثبات الجنسية الكويتية، وأن ابنه قد حصل على الجنسية الكويتية بالتأسيس، هذا وقد رأت إدارة الفتوى والتشريع: 'أنه ثابت من ملف جنسية ابن المذكور أنه حصل على الجنسية الكويتية بالتأسيس على أساس أنه كويتي أبا عن جد بشهادة الشهود، أي أنه ولد لأب وجد كانا موجودين في الكويت قبل سنة 1920 وقد توفي الأب في سنة 1960 ومن ثم يكون الأب كويتيا بصفة أصلية بمقتضى المادة الأولى من قانون الجنسية' ويلاحظ هنا أن وفاة الأب كانت بعد صدور قانون الجنسية الكويتية، أي بعد أن أصبح للأب حق في الجنسية متى ما ثبت أنه قد توطن في الكويت قبل سنة 1920. على الرغم من أنه لم يستخرج شهادة الجنسية.(أنظر في هذا المعنى الفتاوى التالية، نقلا عن الدكتور/ رشيد حمد العنزي، مصدر سابق، صفحة 75: الفتوى رقم ف ت/2/1544 في 13/6/1972 المجموعة الثانية (1970 – 1975) صفحة 135.الفتوى رقم 2/2519 في 22/9/1976، المجموعة الثالثة (1975 – 1977) صفحة 113.الفتوى رقم 2/3133 في 11/2/1979، المجموعة الخامسة (1978 – 1979) صفحة 81)

وبتطبيق ما تقدم على والد المستأنف ضدهم، وحيث أنه من الثابت بحقه – وفقا للأوراق المودعة ملف الدعوى دون أن يقدم ما يثبت عكسها – أنه قد استوطن في الكويت وحافظ على إقامته العادية فيها – وفقا لنص المادة (1) من قانون الجنسية - حتى صدور قانون الجنسية في عام 1959، فإنه – على نحو ما تقدم - يكون كويتيا بالتأسيس بنص القانون، ولا يحول دون ذلك أو يغير حقيقته عدم قيامه باستخراج شهادة الجنسية – بسبب مرضه في أواخر حياته أو لأي سبب آخر – طالما تحقق فيه شرطي التوطن والإقامة على النحو السالف ذكره.
وحيث أن حكم الاستئناف محل التعليق قد ذهب إلى أن والد المستأنف ضدهم لم يكن حاملا للجنسية الكويتية حتى وفاته أواخر عام 1962، فإن ما ذهب إليه الحكم في هذا الشأن يكون قائم على سند غير صحيح من الواقع والقانون، باعتبار أنه قد خلط بين الجنسية بالتأسيس كحق لصيق بمن تنطبق عليه شروطها دون حاجة لصدور قرار بذلك من جهة الإدارة، وبين شهادة الجنسية باعتبارها أثرا لهذا الحق وليست منشئة له.
والصحيح والثابت في هذا الشأن بأن والد المستأنف ضدهم لم يستخرج شهادة الجنسية الكويتية، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة اكتمال مركزه القانوني باعتباره كويتي الجنسيةبالتأسيس، كما لا ينفي تحقق الشروط المقررة لاعتباره كذلك وفقاللثابت بالأوراق – دون أن يقدم ما يدحضها أو يثبت عكسها– من توطنه في الكويت ومحافظته على إقامته العادية فيها – وفقا لنص المادة (1) من قانون الجنسية - حتى صدور قانون الجنسية في عام 1959، وأن عدم اتخاذه لإجراءات استخراج شهادة الجنسية حتى وفاته في أواخر عام 1962 سواء بسبب المرض أو لأي سبب آخر، لا يغير من حقيقة هذا الأمر.
وحيث أن المستأنف ضدهم كانوا قصرا في تلك المرحلة، فلما بلغوا السن القانونية بادروا بالتقدم إلى الجهات الرسمية لإثبات استحقاق والدهم للجنسية وبالتالي استحقاقهم لها بالتبعية له وبحكم رابطة الدم، حيث انتهت تلك الجهات بعد إجراء كافة التحقيقات اللازمة إلى اثبات الجنسية الكويتية لوالدهم المتوفى وبالتالي حقهم بالجنسية الكويتية وفقا للمادة الأولى، وبناء عليه تم إصدار شهادات الجنسية لهم استنادا على ذلك، وإصدار هذه الشهادات لهم من قبل جهة الإدارة على نحو ما تقدم لا يعد قرارا منشأ لمركز قانوني جديد لم يكن موجودا ومتحققا سلفا، إنما هو قرار كاشف عن هذا المركز وأثر من آثاره، وهو ما تكون معه جهة الإدارة مقيدة في إصداره بحدود القانون الذي يفرض عليها – وفقا للمادة (19) من قانون الجنسية - إصدار تلك الشهادة لكل من تثبت له الجنسية الكويتية دون أن يكون لها أي سلطة تقديرية في هذا الشأن، وبناء عليه صدرت لهم شهادات الجنسية الكويتية.
وعليه فإن النتيجة التي استخلصها حكم الاستئناف محل التعليق من أن المستأنف ضدهم لم يكتسبوا الجنسية الكويتية تبعا لوالدهم برابطة الدم (باعتبار أن والدهم لم تستخرج له شهادة الجنسية على النحو السابق بيانه) وأن الجهة الإدارية هي التي منحتهم الجنسية الكويتية بوصفها سلطة حكم،أقول بأنهذا الاستخلاص من الحكم يكون مشوبا بالفساد بالاستدلال ومخالفا للواقع ولما هو ثابت بالأوراق، ذلك أن والد المستأنف ضدهم قد ثبت حقه بالجنسية الكويتية بالتأسيس وتكوّن مركزه القانوني على هذا الأساس – على نحو ما سبق البيان – وبالتالي فإن حصولهم على الجنسية كان تبعا لثبوت الجنسية لوالدهم طبقا لنص المادة (1) من قانون الجنسية، فضلا عن أنهم قد نالوا الجنسية الكويتية بصفة أصلية – وهو الأمر الثابت بشهادات جنسياتهم - وهي لا تكون إلا لمن ولد لأب كويتي، أي أن جهة الإدارة ذاتها حال إقرارها بحقهم وإصدارها لشهادات جنسياتهم كانت تقر بأن والدهم كويتيا بالتأسيس نظرا لانطباق شرطي التوطن والإقامة بشأنه،وعليه فلا وجه لما ذهب إليه الحكم من أنه لم يكن يحمل الجنسية الكويتية وأن حصول المستأنف ضدهم عليها لم يكن بناء على رابطة الدم، وأن الجهة الإدارية هي التي منحتهم إياها بوصفها سلطة حكم، وهو ما لم تقله أو تدعيه الجهة الإدارية ذاتها في دفاعها.

3.    مدى اختصاص القضاء بالنظر في قرارات سحب الجنسية محل النزاع:
    حيث أن المتواتر والمستقر عليه بأحكام محكمة التمييز – وفقا لما ورد بحكم الاستئناف محل التعليق – بأن: 'النص في المادة (2) من المرسوم رقم 15 لسنة 1959 بشأن قانون الجنسية الكويتية على أن (يكون كويتيا كل من ولد في الكويت أو في الخارج لأب كويتي) يدل وعلى ما جرى به قضاء المحكمة أن المشرع أرسى قاعدة عامة مؤداها أن كل من ولد في الكويت أو في الخارج لأب كويتي يكون كويتيا، وكشف المشرع بذلك عن مراده في استحقاق الجنسية الكويتية الأصلية لكل من ولد لأب كويتي لتصبح الجنسية بقوة القانون لصيقة بواقعة الميلاد دون حاجة إلى صدور قرار بذلك من الجهة الإدارية أو أي اجراء آخر متى ثبت على وجه قاطع دون منازعة تسلسل المولود عن أب كويتي وثبوت نسبه منه، وقرارات الجهة الإدارية في هذا الشأن تخضع لرقابة القضاء الإداري، ولا يعد ذلك فصلا في مسألة من مسائل الجنسية التي استبعدها المشرع في البند خامسا من المادة الأولى من لقانون رقم 20/1980 المعدل بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية من ولاية القضاء، وإنما هو إعمال صريح لحكم القانون بشأن حق مستمد منه مباشرة وهو ما يختلف عن الأحوال لاكتساب الجنسية التي لا تتم إلا بطريق المنح بقرار من الجهة الإدارية المختصة وفقا للضوابط والاجراءات المبينة في قانون الجنسية...'(حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 71 لسنة 2007 إداري جلسة 16/3/2010)
    وعليه فإن محكمة التمييز تكون قد أرست قاعدة مؤداها أن المحاكم تكون مختصة بنظر القرارات المتعلقة بسحب أو إسقاط الجنسية الأصلية وإخضاعها لرقابة القضاء الإداري، وهو ما يكون معه حكم محكمة الاستئناف محل التعليق فيما انتهى إليه بقضائه من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى قائم على غير أساس سليم، وذلك بعد أن ثبت أن والد المستأنف ضدهم كان كويتيا بالتأسيس بنص القانون وبإقرار الجهة الإدارية التي أصدرت لأبنائه (المستأنف ضدهم) شهادات الجنسية باعتبارهم كويتيين بصفة أصلية بناء على رابطة الدم التي تربطهم بوالدهم، وهو ما يكون معه القرار محل النزاع داخل في دائرة اختصاص المحكمة لتجري عليه رقابة المشروعية وتزنه بميزان القانون على ضوء الأسباب التي قام عليها وحقيقة الغاية التي قصد تحقيقها.
    وحيث أن: 'كل قرار إداري يجب أن يقوم على سبب يبرر إصداره ويدفع الجهة الإدارية إلى التدخل والعمل، وهذا الشرط أكثر لزوما بالنسبة للقرارات التي تمس الحريات الشخصية – ومن بينها إسقاط الجنسية -، ويتمثل ركن السبب فيها في أن يكون حقيقيا لا وهميا ولا صوريا، وصحيحا مستخلصا استخلاصا سائغا من أصول ثابتة ومنتجة، وقانونيا بأن يتحقق فيه الشروط والصفات الواجب توافرها فيه قانونا.' (حكم الدائرة الإدارية في الدعوى رقم 2118 لسنة 2013 إداري/11 جلسة 25/12/2013)
    ولما كان القرار محل النزاع قد استند على نص المادة (21/أ) من قانون الجنسية، والتي جرى نصها على أن: 'تسحب شهادة الجنسية الكويتية إذا تبين أنها أعطيت بغير حق بناء على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة...'
وعليه فإن على جهة الإدارة التي أصدرت هذا القرار بناء على هذا النص أن تثبت أمام المحكمة تحقق قيام تلك الأحوال والأعمال والأفعال الموصوفة بالنص المشار إليه،على أن يكون تحققها حقيقيا لا وهميا ولا صوريا، وصحيحا مستخلصا استخلاصا سائغا من أصول ثابتة ومنتجة، فإن عجزت عن إثبات ذلك وإقامة الدليل القانوني المعتبر عليه، فإن قرارها يكون قائما على سند غير صحيح من الواقع والقانون جدير بالحكم بإلغائه وما ترتب عليه من آثار وذلك لفقده لركن السبب الذي لا يستقيم القرار الإداري دونه ولا يقوم إلا به، ولركن الغاية التي يفترض أنها تهدف لتحقيق المصلحة العامة، حيث لا مصلحة ترتجى عندما يبخس الناس حقوقهم أو يعبث بمصائرهم دون رقابة قضائية تكفل لهم الحماية من جور السلطة وتغولها عليهم.

الآن: محرر المحليات

تعليقات

اكتب تعليقك