العلاقات الخليجية الروسية … إلى أين؟ يكتب حمد العامر
زاوية الكتابكتب ديسمبر 24, 2015, 1:11 ص 843 مشاهدات 0
حمد أحمد عبدالعزيز العامر
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحركاً روسيّاً ملحوظاً على الصعيد السياسي والديبلوماسي والعسكري؛ يذكرنا بالغزو الروسي وأفغانستان العام 1979، ويلقى هذا التحرّك اهتماماً خليجياً بعد فترة من عدم الاهتمام الجدي بالعلاقات مع روسيا التي طرحت مبادرة للأمن الخليجي أثناء الجولة التي قام بها وزير خارجيتها لعواصم دول »مجلس التعاون« عام 2000، والتي اختلفت حولها رؤى دول مجلس التعاون.
وكان لمملكة البحرين موقفاً إيجابياً مُعلناً في الزيارة الرسمية التي قام بها ملك البحرين إلى موسكو في ديسمبر 2008 وما تبعها من زيارات رسمية لاحقة وعلى مستويات مختلفة أشارت إلى دعم مملكة البحرين المستمر للمبادرة الروسية للأمن في الخليج التي تقوم على الأسس الآتية:
أولاً: مراعاة مصالح الأطراف الإقليمية والدولية كافة.
ثانياً: الالتزام التام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ومواثيق القانون الدولي.
ثالثاً: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم استخدام القوة، وحل المنازعات على مراحل وبالطرق السلمية.
رابعاً: ربط الأمن في الخليج بالأمن في منطقة الشرق الأوسط.
خامساً: وقف سباق التسلّح في المنطقة وإخلائها من أسلحة الدمار الشامل.
وانطلاقاً من تلك المعطيات؛ وكنتيجة طبيعية جداً لما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات سياسية وعسكرية متسارعة؛ والدور الروسي الفاعل والمؤثر فيها؛ والرغبة الروسية الواضحة في الوصول إلى مياه الخليج العربي الدافئة والذي ترجمه التدخل الروسي باحتلال أفغانستان في 25 ديسمبر 1979، جاءت زيارة الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين إلى موسكو خلال شهر ديسمبر الجاري حاملة رؤية سياسية بحرينية تهدف إلى تحقيق التوازن الإقليمي وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وتأييد إنشاء منظمة إقليمية للحفاظ على مصالح الأطراف كافة، ومواصلة التشاور والاتصالات في إطار الحوار الستراتيجي الخليجي الروسي.
فلتلك الزيارة أهمية بالغة من حيث التوقيت والنتائج المترتبة عليها، ليس على مملكة البحرين التي تربطها بموسكو علاقات متميزة فقط؛ وإنما على دول »مجلس التعاون« من منظور الرؤية البحرينية للموقف السياسي الخليجي الجماعي والموحَّد تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وخصوصاً موقف روسيا من الأزمات الإقليمية المتشابكة، في مقابل الموقف الأميركي المتردد حيالها، وما أدى إليه من انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار وزيادة التوتر والفوضى في المنطقة بشكل مخطَّط له منذ عام 2011 الذي بدأ بإسقاط عدد من الأنظمة العربية لينتهي بالظهور المفاجئ لـتنظيم الدولة الإسلامية داعش ذلك التنظيم الدموي الذي تمدَّد بسرعة وقوة على الأرض، واستولى على ثلث العراق وأكثر من ثلث سورية، وأعلن بكل ثقة عن قيام »الدولة الإسلامية في الشام والعراق«، وما صاحب ذلك من تحكَّم في آبار النفط واستغلالها كمورد مالي أساسي لتمويل عملياته الإرهابية الدموية غير المسبوقة في تاريخ البشرية في الكثير من الدول العربية والأوروبية، وتدميره للتراث الإسلامي العالمي، وما حل بالإسلام والمسلمين نتيجة لذلك من تشويه لم يسبق له مثيل في التاريخ.
لذلك؛ فإن تعزيز العلاقات مع موسكو أصبح أمراً مهماً جداً في ضوء مواقفها ورؤيتها السياسية والستراتيجية لحل الأزمة السورية والأزمة اليمنية؛ وتأثيرها القوي على بعض أطراف النزاع؛ خصوصاً بعد تراجع الدور الأميركي المتعمَّد لحل أزمات المنطقة؛ بسبب سياسة الولايات المتحدة الأميركية المقصودة والقائمة على خَلق بيئة سياسية غير مستقرة في منطقة الشرق الأوسط، ومشجعة على تفاقم النعرات الطائفية، وقيام الحروب الأهلية والصراعات الإقليمية على أسس عرقية ومذهبية وقومية، واستخدام التطرّف كورقة مجدية للتغيير، وخَلق ظروف داخلية صعبة أمام أصدقائها التاريخيين للإطاحة بهم؛ لينسجم ذلك مع خططها التي رسمها الكونغرس الأميركي للحفاظ على مصالحها بقيام أنظمة عربية تعددية تحترم مبادئ حقوق الإنسان بغض النظر عن علاقات الصداقة التاريخية والمثاليات السياسية والاعتبارات الأخلاقية، واتباعها سياسة جديدة تقوم على الانفتاح على إيران وإعطائها الدور الإقليمي النافذ والمسيطر على منطقة الخليج العربي لتستعيد أمجادها القديمة كشرطي الخليج، وهو الدور الذي كانت تقوم به في عهد شاه إيران، وإعفائها من العقوبات الاقتصادية الدولية مقابل تخليها عن برنامجها النووي على حساب العلاقات الأميركية التاريخية مع دول »مجلس التعاون« ومن دون الالتزام بأمنهم.
وتختلف مستويات العلاقات الثنائية بين دول »مجلس التعاون« وإيران، فهي متميزة مع سلطنة عُمان، وممتازة مع دولة قطر، وجيدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، أما مع المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين فالعلاقات متدهورة إلى درجة كبيرة لأسباب معروفة ولا مجال لذكرها في هذه المقالة.
الا أن مملكة البحرين -ومن خلال الزيارة التي قام بها وزير خارجيتها إلى موسكو أخيراً- تُعوّل كثيراً على الدور الروسي لكسر جليد العلاقات البحرينية الإيرانية التي تمر بأسوأ مراحلها بعد الفترة الذهبية التي عاشتها إبان تولي السيد منوشهر متكي حقيبة وزارة الخارجية في حكومة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، والذي كانت تربطه علاقة صداقة متميزة مع وزير الخارجية البحريني، حيث شهدت تلك المرحلة جولات ناجحة لاجتماعات اللجان السياسية والاقتصادية المتخصصة على مستوى كبار المسؤولين، وتمكَّنت من تحقيق نتائج إيجابية على صعيد العلاقات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية، ونجحت التوصل إلى حلول نهائية لخلافات الحدود البحرية المعلَّقة بين البلدين.
ويمكن إيجاز أهمية الزيارة التي قام بها وزير خارجية مملكة البحرين إلى روسيا الاتحادية في النقاط الآتية:
1-تفهّم أهمية الدور الروسي في ضمان أمن واستقرار المنطقة من خلال الرؤية الروسية لأمن الخليج التي تقوم على أسس مبادرتها المطروحة عام 2000 مع بعض التعديلات التي تأخذ في الاعتبار التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة، خصوصاً التدخل العسكري الروسي في سورية، وترحيب مملكة البحرين خلال المباحثات الثنائية بدعوة روسيا لإجراء مشاورات على مستوى الخبراء حول قضايا الأمن في منطقة الخليج، واستعداد البحرين لاستضافة هذه المشاورات.
2- بحث إمكانية قيام روسيا بالتوسط لإحداث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه مملكة البحرين، انطلاقاً من السياسة الروسية الساعية لإحداث تقارب في وجهات النظر بين دول المنطقة، ودعمها لسياسة بناء الثقة بما ينعكس على الأمن والسلم الدوليين.
3-تطابق المواقف البحرينية الروسية تجاه أغلب القضايا الإقليمية والدولية، وتحديداً الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب، والاتفاق على أن قيام »التحالف الإسلامي العسكري« المؤلَّف من 34 دولة إسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة يعتبر خطوة مهمة لمحاربة الإرهاب بمختلف توجهاته وأيديولوجياته من دون استثناء، ويبقى الخلاف بين مملكة البحرين وروسيا في الموقف من بشار الأسد الذي تصرّ روسيا على أن قرار بقاءه أو رحيله بيد الشعب السوري وحده.
4- سعي مملكة البحرين إلى إقامة تعاون اقتصادي روسي بحريني ستراتيجي، يقوم على أساس التعاون مع شركة »غاز بروم« الروسية -أكبر شركات الطاقة في العالم- لتصدير الغاز الروسي إلى البحرين لاستمرار خطط التنمية في البلاد رغم تكلفة النقل الباهظة بسبب بعد المسافة.
لذلك؛ أعتقد أن تلك الزيارة شكَّلت نقلة نوعية متميزة في العلاقات بين البلدين، يعتمد نجاح نتائجها على:
1-تنفيذ روسيا الاتحادية لتعهداتها بتحقيق ما تتطلَّع إليه مملكة البحرين للوصول بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة التي سيكون لها دور كبير في تعزيز المصالح المتبادلة، خصوصاص ما يتعلق منها بالتعاون في مجال تزويد البحرين بالغاز الطبيعي بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال، والاستفادة من التقنية الروسية المتقدمة في مجال الاستكشاف عن حقول النفط والغاز.
2-بذل روسيا لمساعيها الجادة لإعادة العلاقات البحرينية- الإيرانية إلى طبيعتها بالضغط على إيران للتوقف عن التدخل في شؤون البحرين الداخلية عبر التصريحات الإعلامية المسيئة، ودعمها للإرهابيين بمختلف الوسائل.
3-تفهّم روسيا لمخاوف دول »مجلس التعاون« من التهديدات والأطماع الإيرانية، وقلقها من الاتفاق النووي الإيراني والتسلّح الإيراني التقليدي الذي تساهم فيه روسيا بنسبة كبيرة وصلت إلى أربعة بلايين دولار.
وفي مقابل ذلك فإن على دول »مجلس التعاون« ألاَّ ترى في الرغبة الروسية بالتواجد في المنطقة من خلال مبادرتها الأمنية في الخليج وتدخلها العسكري في سورية هاجساً مقلقاً يهدد أمنها وسيادتها الوطنية، وإنما يجب اعتباره ضرورة لإحداث التوازن الستراتيجي الذي تفرضه السياسة الأميركية في المنطقة، والأوضاع وتطورات الأحداث وتداعياتها، خصوصاً إذا ما تمَّ التعامل مع »الحوار الخليجي الروسي الستراتيجي« بطريقة صحيحة، واستثماره ليكون مرتكزاً لوضع أسس جديدة للعلاقات الخليجية الروسية على الأصعدة كافة.
المحلل السياسي للشؤون الإقليمية و«مجلس التعاون«
تعليقات