أغلب الشعوب بوجهة نظر محمد الشيباني مساهمة في الإتيان بالطغاة إلى الحكم

زاوية الكتاب

كتب 527 مشاهدات 0


القبس

أبناء الطغاة..!

د. محمد بن إبراهيم الشيباني

 

كتاب أبناء الرؤساء أو أبناء «الطغاة»، كما سماه المترجم (الذي ينشر في القبس)، سرد فيه مؤلفه الأميركي جاي نورد لينغر فضائح وجرائم أبناء الرؤساء، وكيف أنهم عاشوا بعباءات آبائهم وتأثروا بهم وأخذوا إرثهم الإجرامي، مما دعم حكمهم مدداً طويلة، وتوسعت مخابراتهم الحكومية لتدافع عن وجودهم وأموالهم وملذاتهم وشهواتهم، حتى فاحت روائح هذا المجون، وانتشر في أرجاء البلاد، مما لم يعد الصبر عليه في حياة الشعوب المغلوبة في دول الأسرات الحاكمة وتمدد مصالحهم على سائر مصالح الدولة والشعب.
لو أردنا أن نناقش هذا الموضوع بهدوء تام ومن دون جلبة ولا صخب، فسنجد أن أغلب الشعوب مساهمة في الإتيان بمثل هذه النوعيات إلى الحكم وتأييدهم على فسادهم والإفادة من ذلك الفساد، بل وتعمل على إطالة بقائهم واستمرارهم، وتحارب المصلحين المخلصين، سواء بسواء مع بطانة السلاطين.
كيف ذلك؟ سأضرب مثالاً واحداً على ذلك: كنت في عام 1964 في رحلة حول العالم، وقد ذكرت ذلك في مقالات عدة، وبعد رجوعنا من صقلية بالباخرة إلى تونس حتى دخلنا إلى طرابلس (ليبيا) ونحن نتجول صباحا في شوارعها، مررنا على مكتبة عامة، ولأننا نحب الكتب، وكنا نتنافس بالأكثر قراءة في كويتنا، وقبل أن ندخلها جاءنا قيمها مسرعاً، فقال لنا بحماسة تفضلوا، وهنا بدأ يتحدث عن وضع بلده ليبيا الملكي، يعني الكلام بالسياسة والسياسة الداخلية، مع العلم أننا عرّفناه أننا لسنا ليبيين! فقال في ما قال: نريد ليبيا جمهورية، وليس ملكية، مع أنه كان يحمد ويمدح الملك إدريس السنوسي وولي عهده، وأنهما يعملان لليبيا ورفعتها بما يقدران عليه، والشعب يحبهما ويودهما، وهما ينزلان باستمرار للناس، ويجلسان في مجالسهم، ويشربان قهوتهم وشايهم، ويأكلان أكلهم، لا يخافان عند شربهما وأكلهما غدر شعبهما بهما، أي وصلت الثقة بين الحاكم والمحكوم ذروتها من المحبة والوداد، ولكن ظن هذا المواطن وغيره أنه بالجمهورية التي كانت في مصر آنذاك هي المخلص لكثير من حياة الليبيين، مع أن مصر الجمهورية تختلف عن ليبيا الملكية، فمصر قد أخذت بالحضرية وأسباب التمدن والثقافة والعلم منذ أزمان، وليبيا القبلية والمحافظة ومدنها المترامية الأطراف تختلف تمام الاختلاف عنها، ولما أتى معمر القذافي إلى الحكم هل ثقّفهم وعلّمهم، أم جهّلهم زيادة؟! بل فعل ذلك الجهل والنار والحديد، وتمم على ذلك أولاده حتى تفننوا في زيادة السجون والمعتقلات وحفلات القتل والتعذيب.
حلم تغيير النظام الحاكم في ليبيا عند الشعب من الملكي إلى الجمهوري كان بعيد المنال على أي مواطن ليبي، فلما تحقق حلمهم وأتي بالقذافي وجمهوريته واستبدلوا بالخبيث. الطيبَ كانت نتائجه أو الجائزة التي كافأهم بها هو وبنوه هي ما انتهى إليه أمرهم وأمر ليبيا كلها اليوم، بل الجمهورية التي كانوا يريدون! والله المستعان. 

* أحلام الناس:
«الناس ضحايا أحلامهم، وأحلام الناس ظاهرات عقولهم، وتطبيق حياتهم على أحلامهم مقياس ماهياتهم، وإعلان ذاتياتهم، ومجلي حقيقتهم..». (د. يعقوب صروف)

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك