عدنان فرزات يكتب.. فاقد الشيء أصبح يعطيه

زاوية الكتاب

كتب 893 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

فاقد الشيء أصبح يعطيه

عدنان فرزات

 

فاقد الشيء يمكن أن يعطيه في حال توافرت الواسطة أو المحسوبية، وإليكم الدليل.

يحكي لي صديق في أحد الأقطار العربية أن محلاً لتصليح السيارات كان موجوداً في مكان قريب من منزله، ولأن سيارته قديمة وتتعطل كثيراً، فلم يجد بداً من أخذها إلى هذا المحل كونه بجانب المنزل ولا يحتاج الأمر منه سوى «درفش السيارة» بمساعدة أبناء الحي لإيصالها إلى الميكانيكي الذي كان من شدة جهله بالمهنة، يصلح قطعة ويخرب التي بجانبها. لذلك قرر صاحب السيارة بعد أن لفظت أنفاسها اصطحابها إلى محل كبير وشهير في المدينة، وكان ذلك وقت المساء، ومن سوء حظ صاحب السيارة أنه وجد الميكانيكي نفسه يعمل في هذا المحل بالفترة المسائية بعد انتهاء دوامه النهاري في المكان السابق.

يومها أغمي على السيارة وصاحبها معاً. وحين سأل الرجل شخصاً آخر يشتغل في المكان نفسه عن سبب عمل هذا الميكانيكي لديهم، صمت الرجل وتلفت حوله ثم همس: «محسوبية».

حتى الآن ليس هذا هو صلب الموضوع إنما هو مدخل إليه، فالآفة أصبحت أكبر بتمكين الجهلاء وقليلي الخبرة والفاشلين من أماكن تمس حياة الناس في معيشتهم وأقواتهم، فبعد أن عصفت رياح الظروف البائسة بالسوريين وأصبحوا لاجئين، تم إنشاء بعض المؤسسات التي يفترض أن تكون خيرية، لمساعدة الناس، وفوجئنا بأشخاص بعضهم كان «نصاباً» بمعنى الكلمة، أصبح يجمع تبرعات باسم المحتاجين، وبأشخاص آخرين فاشلين في حياتهم أصبحوا يشغلون وظائف يفترض أنها ذات طابع تدريبي أو تنمية قدرات، علماً بأن قدراتهم لا تتعدى رفع الأثقال على أبعد تقدير من وزن الذبابة.

والمفارقة المضحكة أن هؤلاء عندما يُسألون عن سبب قيامهم بالثورة، يبررون ذلك بأنهم رفضوا الفساد والمحسوبيات وتعيين الأقارب والجيران لغاية الجار السابع والجد العاشر وأصدقاء الطفولة. لنتخيل لو أن هؤلاء تسلموا الحكم، فماذا سيفعلون؟! أو ما الذي سوف يتغير؟! الذي سوف يتغير هو قفل الباب فقط.

هذا الكلام طبعاً لا ينساق على كل المؤسسات الخيرية، فهناك مؤسسات محترمة وأمينة تعمل بجد وإخلاص وتقدم خدمات إنسانية كبيرة للاجئين وتساعدهم بكل تفانٍ، وفيها أشخاص على درجة عالية من القيم الأخلاقية والمهنية، وسبق أن أشدت بهم في مقالات سابقة وذكرت بعضهم بالاسم.

لذلك، فإن كلامي هذا لن يعجب سوى النزيهين، أما الفاسدون والطحالب المتسلقة على طموحات الشعوب، فسوف «ينكرزهم» الكلام كما «تنكرزهم» ديموقراطية الرأي التي أيضاً قاموا بالثورة لأجلها!

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك