عدنان فرزات يكتب.. الرجل «الشلمونة»

زاوية الكتاب

كتب 767 مشاهدات 0

عدنان فرزات

القبس

الرجل «الشلمونة»

عدنان فرزات

 

يشتبك في ذهنك أحياناً موضوعان يبدوان للوهلة الأولى أن لا علاقة بينهما، ثم تكتشف أن ارتباطهما وثيق. وبعيداً عن التفسير العلمي لهذه الحالة، فهذا يعني أن عقلك لا يخلو من مادة اسمها «اللؤم». فبينما كنتُ أقرأ خبراً عن أن الفراعنة والصينيين سبق أن اخترعوا «الشلمونة»، أو المصاصة، توارد إلى ذهني حكاية رجل كان يحاضر يوماً عن حقوق المرأة واضطهاد الرجل الشرقي لها، وكنت حينها في أول حياتي مندفعاً بالثورية الاجتماعية لمناصرة المرأة، وما زلت، فأعجبت بأفكار المحاضر وأخذت أروج له على أنه قاسم أمين عصره، لأكتشف بعد ذلك من قريبته بأن الرجل «شفط» ميراث شقيقاته، مستفيداً من نفوذه الاجتماعي. وعلى سيرة النفوذ الاجتماعي وتشابك الأفكار، فقد بدا مضحكاً ومحقاً في الوقت نفسه تهديد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي لمن سوف يصوت ضد قرار بلادها في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، حين قالت لهم بما معناه «سنريكم كيف نعاملكم حين تحتاجون إلى نفوذنا»، وتهديها صحيح، فأنت ليس بإمكانك الاعتراض على شخص تحتاج إليه. أي بالعامي «ستودي وجهك أين» من ترامب إذا اضطررت لمساعدته وأنت صوت ضده؟! يومها سيقول لك: «تتذكر لما صوّت ضدي؟».

الجزء الثاني من تصريح هيلي كان ساخراً أكثر، فقد توعدتهم بأنها ستسجل أسماء الدول التي تصوت ضد القرار وتوصل هذه الأسماء إلى رئيسها، وهذا يذكرنا بأيام الطفولة في المدرسة، حين كان عريف الفصل يسجل أسماء المشاغبين ويعطيها للناظرة أو لمدرسة الفصل. وبمناسبة تشابك الأفكار، فإن هذه الفقرة تنقلني إلى أحد الأشخاص الذي كتب على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه عندما كان تلميذاً أرادت مَدرسته أن تقوم بتجربة ديموقراطية لتدريب الأطفال عليها في حياتهم اللاحقة، فأجرت المَدرسة انتخابات لاختيار عريف الفصل، فنجح ابن المعلمة بنسبة 99.9 في المئة، ويقول الشخص: من يومها ألغيت مصطلح الديموقراطية من قاموسي.

عموماً تشابكت الأفكار وصار يجب العودة إلى الفكرة الأولى في هذه المقالة، وهي فكرة «شلمونة» الميراث، أي الرجل الذي حاضر عن حقوق المرأة وفي الوقت نفسه كان «شافطاً» لميراث شقيقاته، لأقول إن المشكلة التي تواجهنا تتمثل في انتقائيتنا للحلال والحرام على مزاجنا، فنحلل من الحرام ما يوافق رغباتنا ونحن «مطنشين»، وننبذ من الحلال ما لا نحتاج إليه. تماماً مثل الذي يسافر إلى دولة أجنبية «يسرح ويمرح ويلهو»، ثم حين يدخل إلى المطعم يسألهم: «هل الطعام الذي لديكم حلال؟».

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك