د.عروب الرفاعي تكتب عبر ((الآن)) عن أسبابها

زاوية الكتاب

ظاهرة نزع الحجاب لدى بعض مشهورات وسائل التواصل

كتب 8425 مشاهدات 0


ظاهرة نزع الحجاب لدى بعض مشهورات وسائل التواصل

خصت د.عروب السيد يوسف الرفاعي بمقال استعرضت من خلال أسباب ظاهرة نزع الحجاب لدى بعض مشهورات وسائل التواصل، وفي ما يلي نص المقال والتعليق لكم:

كانت البداية حين كتبت في تويتر تغريدات اناقش بها ظاهرة نزع بعض مشهورات وسائل التواصل للحجاب في الكويت وقبلها بعض الدول الخليجية. ما دفعني لمناقشة الظاهرة رغبتي في وضعها في حجمها الطبيعي عبر توضيح أسبابها كما اراها، وللتنبيه والتحذير ولتفادي انتقال أمراض بعض النخب الهشة -التي صنعتها وسائل التواصل بين يوم وليلة- الى عموم بنات المسلمين. ولقد تفاديت في مقالي مناقشة ذلك التيار الذي لا يرى وجوب الحجاب ولا كونه جزء من تعاليم الاسلام الحنيف، وذلك لبديهية وجوب الحجاب وقطعية الأدلة. كما وأحيل القارئ هنا الى كتاب صدر حديثا بعنوان (جدلية الحجاب) للدكتور صهيب السقار استفاض في جمع ادلته وأجاب على شبهات المنكرين، وهذا الكتاب ظهر بدوره في اطار ظاهرة نزع الحجاب التي نتناولها اليوم.
 
ان احدى خصوصيات الحجاب هي صعوبة قرار نزعه، اذ يحتاج نزعه لجراءة في مواجهة الناس ولحجة لتفسير الفعل ولتحمل الردود، وهنا كان خطر هذه الفئة من المشهورات والفاشينستات، اذ يعبدن الطريق لمن يأتي بعدهن ويحملن وزرهن ووزر من لحق بهن. واما الخصوصية الثانية للحجاب فهو كونه مكون أساسي لثقافة اللباس في المجتمع الكويتي المسلم، أي انه ليس فقط عبادة شخصية بل هو سمت ثقافي، وان نزع المشهورات للحجاب قد يحدث نمطا يؤثر في ثقافة المجتمع ككل.

‏لعل من أول أسباب نزع الحجاب حقيقة ان الاقبال على مظاهر التدين والادبار عنها تتأثر بتدين المجتمع عموما، والذي بدوره يتأثر بتوجهات النخب فيه والتيارات الفكرية الغالبة. هل تذكرون تيار التغريب بمصر في العشرينات ونزع 'فاشينستات' تلك الفترة للحجاب، بل وكويت الخمسينات حين أحرقت طليعة من السيدات البوشية والعباءة رغبة في تحرير المرأة من قيود المجتمع وتأثرا بالتيارات التغريبية؟ لعل التاريخ اليوم يعيد نفسه بصوره ما.  ولقد تلقيت بعض التعليقات في تويتر تذكرني ان حركة حرق العباءة في الكويت كان هدفها مقاومة تلك السيدات للمجتمع وليس للدين، وهذا صحيح اتفق معه، لكن ليتهن فرقن بين الحجاب الذي هو من تعاليم الإسلام، وبين الضغوط الاجتماعية التي مارسها المجتمع آنذاك على المرأة بحجة العادات والتقاليد. عموما فقد كانت موجه استغرقت ربما عشرين عاما ثم عادت الغلبة للحجاب بفضل الله وصحوة المجتمع وجهود التيارات الاسلامية.
 
وأود هنا ان أقف عند حقيقة مفادها ان الحجاب وما ارتبط به من ستر وحشمة كان هو السائد في مجتمعنا المسلم لمدة ١٣ قرن، وان تفاوتت النساء في درجة التمسك به او الممايزة بين كونه عادة ام عبادة، حتى جاءت تيارات التغريب، فأبعدت البعض وبالذات المشهورات والقدوات عن سترهن، وتبعهن من تبعهن. وهذا يقودنا لحقيقة اخرى ان التيارات الإسلامية جاءت ردا على التيارات التغريبية، فأعادت النساء الى قيم الستر وهي الأصل في مجتمعاتنا. من هنا فان الحديث عن كون الحجاب ظاهرة ارتبطت بالتيارات الإسلامية وليس ملمحا أصيلا للمجتمع المسلم هو عبث وافتراء، بل الحقيقة ان نزع الحجاب هو الدخيل على مجتمعاتنا وان تيارات التغريب السياسية والثقافية هي من ابتلتنا به.
 
ننتقل الى السبب الثاني الذي يبدو بديهيا بعد ما سبق، وهو ان نقول ان من اسباب ظاهرة نزع الحجاب هو الهجوم الشرس السياسي على كل تيارات الاسلام المعتدل واشخاصه وبالذات بعد الربيع العربي. في المقابل كان هناك النموذج الدموي الذي قدمته داعش للاسلام، عدا أخطاء بعض الدعاة المتعصبين والمتشددين. اننا نعلم جميعا ان هذا الدين متين، يحتاج ثباته في النفوس وانتشاره لبيئة مشجعة وصحبة وموعظة متواصلة تقوي ايمان المسلم في هذه العولمة المخيفة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم)، ولا شك ان ضعف المعتدلين بين مسجون ومهاجَم أضعف التدين.

والسبب الثالث خاص بما يسمى في مجتمعنا بجماعة الطاقة. اذ ان من أبرز من نزعن حجابهن مجموعة سبق ان قدمن أنفسهن للمجتمع على انهن مدربات تخرجن من مدرسة 'الطاقة' وتطبيقاتها في الحياة، وهي مدرسة ذات اصول بوذية كما يعلم الجميع. هذه المجموعة رددت انها اكتشفت انها غير مقتنعة بالحجاب وأنها كانت قد اتخذت القرار بتسرع.  المضحك ان نفس المجموعة ترتدي الحجاب في جلسات التأمل التي تمارسها هذه الجماعة، وان نفس المجموعة تدعي انه لابد من اجل التشافي والسلام الداخلي ان نجاهد النفس وندربها على ممارسات راقية وسلوكيات حميدة، فلماذا لا يكون الاستمرار بالحجاب محل المجاهدة؟  وحتى لا اطيل في هذا الموضوع فان توالي نزع مدربات الطاقة لحجابهن يقودنا للتساؤل عما يتم تدريسه تحت مظلة الطاقة من قيم وممارسات.

ومما شجع على نزع الحجاب ثورة وسائل التواصل وما اتاحته من شهرة ونجاحات سريعة لمغمورين كل ما لديهم هو مخالفة الاعراف والقيم، وبالفعل نالوا الشهرة والمال بتشييع التفاهة وكشف الخصوصيات، وهو ما يضعف قيم الدين والاخلاق القائمة على الحياء والستر والانشغال بالنافع من الامور.  ان هذه الثورة في وسائل التواصل اضعفت كذلك دور الوالدين والاسرة بل والمدرسة في تربية الجيل على قيم مجتمعه ودينه، مما جعل العقلاء يشتكون مما أصبح يسمى بظواهر اجتماعية واخلاقية خطره كالمثلية والادمان وغيرها، جلبتها وسائل التواصل والعولمة بلا ضوابط.

السبب الأخير والذي لفت البعض نظري اليه في تويتر وكنت قد تعمدت عدم الإشارة له في تغريداتي هو ان أكثر من مشهورة نزعت حجابها بعد ان مرت بهزة في حياتها، كطلاقها مثلا، وترتب على الهزة تغييرات أجرتها في حياتها، وقناعات جديدة استخلصتها، ومنها ترك الحجاب. هذه الشخصيات تجاوزتها تفهما لظروفهن، وان كنت لا افهم سبب ربطهن بين الهزة التي مررن بها وبين نزع الحجاب، أسأل الله الهداية لي ولهن جميعا.  

أخيرا هناك بعض الشخصيات التي عرفها المجتمع كشخصيات مضطربة حيث كل يوم هي في قضية وفكرة ولبس وتوجه، وكان نزع الحجاب جزء من اضطرابها، فتجاوزتها أيضا وتركتها.
 
وفي ختام حديثي اود التنبيه انه اذا كان المجتمع قد التفت لظاهرة نزع الحجاب لأنها طاعة مرئية قابلة للقياس ملفتة للنظر، فانني ألفت النظر الى ظواهر أخرى كترك الشباب لفروض الصيام او الصلاة مثلا والتي هي عبادات غير مرئية ومن الصعب قياسها ولم تنل حظها من الاهتمام. انني شخصيا اعتقد أننا اليوم امام ظاهرة مجتمعية هي تراجع مظاهر التدين المتعددة، ولسنا فقط امام ظاهرة نسوية هي تراجع عن الحجاب. ولا يخفى علينا جميعا ان تراجع التدين سيترتب عليه تراجع اخلاقيات كثيرة تحت شعار الحرية والانفتاح، اذ ان الدين معزز للأخلاق وحارس لها وضابط لمعاييرها، مما سيجعل الضرر على عموم المجتمع وليس فقط على التيارات الإسلامية كما يروج البعض. نسأل الله السلامة والهداية لنا جميعا، لا حرمنا الله من الإسلام وبركاته على كويتنا الحبيبة.

الآن - كتبت: د.عروب السيد يوسف الرفاعي

تعليقات

اكتب تعليقك