الوضع العام في الكويت في السنوات القليلة الماضية غلب عليه ضيق في سماع الرأي الآخر.. بوجهة نظر محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب يناير 29, 2018, 11:59 م 752 مشاهدات 0
القبس
الديوانية- صوت خافت.. وكلام باهت
د. محمد المقاطع
يحرص الكويتيون حرصا بالغا على تناول هموم بلدهم وقضاياه في منتدياتهم وفي دواوينهم وعند تسامرهم بعضهم مع بعض، وتلك سمة إيجابية مهمة للاهتمام بالشأن العام وقضايا البلد، خصوصا أن الكويت بلد بطبيعته جُبل على أجواء الحرية والمصارحة والمكاشفة، بعيدا عن المجاملة والتملّق وإرضاء من هُم في مواقع المسؤولية، وتلك هي إحدى خصال الآباء والأجداد التي يعتز بها أهل الكويت ويحرصون عليها. ولقد كان للسمة الإيجابية المذكورة دور بارز في غربلة المجتمع الكويتي، فتعددت الديوانيات وانتشرت، وتنوّعت القضايا والموضوعات التي تطرح فيها وتناقش بين مسائل وقضايا سياسية إلى مسائل اقتصادية وتعريج على قضايا اجتماعية، بل أدبية ورياضية وغيرها، ومن هنا فقد احتلت الديوانية، تحديدا، دورا رائدا في تطوير الكويت وإحداث نقلة نوعية في مهمة هذه الديوانية ودورها، فتعدّت النمط التقليدي لها، بكونها ملتقى اجتماعيا وثقافيا، لتغدو منتدى سياسيا؛ إذ عُقدت أول انتخاب بلدية عام 1930 لانتخاب أول مجلس بلدي في الديوانية، ولذلك فلا ينبغي أن يستهان بالدور الذي تلعبه هذه الديوانيات، وهي التي لعبت دورا حيويا في الكويت منذ ما يقارب قرناً مضى من الزمان.
إلا أن الملاحظ أن الوضع العام في الكويت في السنوات القليلة الماضية قد غلب عليه ضيق في سماع الرأي الآخر، وقلة حرص على معرفة وجهة النظر الأخرى والاستماع إلى النقد، حتى تطور الأمر شيئا فشيئا فصار هناك تضييق رسمي على وضع الحريات العامة بصفة عامة، وعلى حرية الرأي والصحافة بصفة خاصة، وصاحبت ذلك حالة غير حميدة من المجاملة وتطييب الخاطر بكلام غير حقيقي، فيسمع المسؤولون كلاما عاما تغلّب عليه المجاملة حول شأن الأوضاع العامة للبلد، رغم التدهور الكبير الذي تشهده أحواله منذ أكثر من ثلاثين عاما، وبدلا من أن يتم إسماع هذا المسؤول كلاما مباشرا وصريحا حول الأوضاع المتدهورة في البلد والمطالبة الصريحة للإصلاح وأن ينأى أمثال هؤلاء المسؤولين عن المساهمة في حالة التردي العام في الدولة، فإنهم يسمعون كلاما عاما ومجاملات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل ومضرة للبلد. ووجه العجب في ما سبق أنك تسمع من أهل الكويت في منتديات في حالة خلوها من وجود أولئك المسؤولين وغيرهم كلاما آخر، حيث إن حالة عدم الرضا والشعور بالإحباط والتشاؤم وتردي أحوال البلد تكون هي السمة الغالبة على أحاديثهم، لكنك لا تسمع كلاما مثله عند وجود هؤلاء المسؤولين بينهم، ومن المحزن أن تجد أن مؤسسات الرقابة، مثل مجلس الأمة تحديدا، يغلب عليها إما المجاملات وإما يسيطر على بعض أعضائها صمت مطبق، ربما بسبب مشاركتهم بحالة الفساد التي أغرقت البلد.
وهناك من هو في هذه المؤسسة وتجده ناقدا لأوضاعها، ولكنه يقوم بذلك بصوت خافت وعلى استحياء، بل أحيانا بصوت عال، لكنه يدلي بكلام باهت، لا يُفهم له مغزى ولا يؤدي إلى إحداث أي أثر لما شابه من غموض وعدم وضوح، وهي حالة امتد وجودها إلى المنتديات المختلفة للكويتيين، حيث إن نقدهم داخل الديوانيات والمنتديات غالبا ما بدأ يظهر على شكل أصوات خافتة وكلمات باهتة، لا تحقّق إصلاحاً ولا تقدّم نقداً محدداً بقدر ما يكون ذلك تذمّراً لا يشعر صاحب القرار بأن هناك قضية أو مسألة تستحق الاهتمام بها، فالكلام العام والعبارات الباهتة لا توقع أثرا على سمع المسؤول، ومن ثم لا يتوقع أن تحدث تغييرا أو توقف حالة التردي أو التمادي في ممارسة سلوكيات تزيد الفساد في البلد، ولعل الأمر الذي يثير الاستغراب هو أن تجد أغلب من هم في مواقع المسؤولية والقرار، مثل أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية من الوزراء والنواب، ينضمون إلى صفوف المتذمرين والمتحلطمين في الديوانيات والمنتديات، فيرددون هم أيضا كلاما خافتا أو عبارات باهتة، لا تصلح إلا أن تكون وسيلة للتنفيس أو للاستهلاك المحلي، ولذا فحال البلد في تردٍّ مستمر.
تعليقات