حول «التغريد ليس جريمة».. يكتب عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب مارس 7, 2018, 11:39 م 1267 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي - حول «التغريد ليس جريمة»
د. عبد اللطيف بن نخي
بالنسبة للعديد من المجتمعات والدول الحديثة، تعتبر فرنسا أيقونة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ويعتبر الفرنسيون لاعبين رئيسيين في بلورة وصياغة وتنقيح المفاهيم العالمية لحقوق الإنسان والحريات العامة. وتكفي الإشارة هنا إلى أنه تمت المصادقة على إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في فرنسا من قبل الجمعية الوطنية في العام 1789.
أهمية هذا الاعلان تكمن في شقين: الأول أن لمبادئه مكانة دستورية، كما جاء في مقدّمة دستور فرنسا الحالي. والثاني أنه عرّف الحقوق الفردية والجماعية، ومن بينها حق التعبير عن الرأي، ليس للفرنسيين فقط، بل للبشر من دون استثناء.
فالإعلان يتضمن العديد من المواد التي تصون حرية الرأي والتعبير، ومن بينها المادة الرقم (10) التي تنص على أنه «لا يجوز التعرض لأحد لما يبديه من الأفكار حتى في المسائل الدينية على شرط أن تكون هذه الأفكار غير مخلة بالأمن العام». والمادة الرقم (11) التي جاء فيها «إن حرية نشر الأفكار والآراء حق من حقوق كل إنسان. فلكل إنسان أن يتكلم ويكتب وينشر آراءه بحرية. ولكن عليه عهدة ما يكتبه في المسائل التي ينص القانون عليها». المراد أن ريادة فرنسا وتراثها في ممارسة حرية الرأي والتعبير تمتد جذورهما إلى ما قبل قرنين من الزمن.
لا شك أن لهذا النطاق الواسع لحرية التعبير في فرنسا، بعض الممارسات المنبوذة، وقد يكون أبرزها إعادة نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة لخاتم الأنبياء - صلى الله عليه وآله - من قبل صحيفة «شارلي إيبدو» في 2006، حيث أثارت ردود أفعال قوية ضد الصحيفة، كانت بعضها مرفوضة، مثل الهجوم المسلح على مقرها في 2015، الذي أسفر عن قتل 12 شخصا، من بينهم 8 منتسبين للصحيفة.
هذا التمادي في استغلال حرية التعبير، جعل البعض منا يعتقد خطأ أن حرية التعبير مطلقة في فرنسا. ولكن بالعودة إلى المواد الدستورية التي تصون ذات الحرية، ومن بينها المادتان التابعتان لإعلان حقوق الإنسان والمواطنة اللتان أشرت إليهما في مقدمة المقال، يتبين لنا أن تلك الحرية مقيّدة بنصوص القانون، ومشروطة بعدم الاخلال بالأمن العام.
فعلى سبيل المثال، نجد أن حرية التعبير عن الآراء تقف عند حدود معاداة السامية، ويجرم القانون الفرنسي أي تشكيك في حادثة «الهولوكوست». بل أن القضاء الفرنسي منع عدة عروض للفكاهي الساخر ديودونيه المتهم بمعاداة السامية. وهذه ليست من صور التناقض في فرنسا بين مفهوم حرية التعبير وبين التطبيق الفعلي، بل هي من بين الأمثلة التي تكشف لنا وجود قيود «معلنة» لحرية التعبير في فرنسا.
وفي مثال آخر حديث، وجهت النيابة العامة الفرنسية الخميس الماضي تهمة «نشر صور ذات طابع عنيف» الى رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني المتطرف مارين لوبن، على خلفية نشرها في حسابها على «تويتر» في 2015 صورا لجرائم فظيعة ارتكبها «داعش». هناك نقاط عدة تستحق التوقف عندها والتمعن فيها في هذه التهمة، ومن بينها أنها وجهت إلى لوبن بسبب «تغريدات»، وأنها كانت نائبة أوروبية آنذاك، وأن عقوبة تهمتها قد تصل الى «السجن 3 سنوات» ودفع غرامة بقيمة 75 الف يورو، وفق ما جاء في موقع قناة «فرانس-24» على الانترنت... الشاهد أن فرنسا بلد الحرية تسجن مغرّدين.
أنا أؤمن بأن التغريد ليست جريمة، بل وسيلة جيدة لممارسة حق التعبير، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنني أرفض معاقبة من يسيء التغريد، بعقوبة تتناسب مع طبيعة ونتائج إساءته. ففي حياتنا العديد من الحقوق الأساسية الأخرى، كحرية التنقل، التي نحرص على أن تصونها لنا الدولة، ولكن في الوقت نفسه، نطالبها بأن تردع كل من يتخطى حواجز محاذيرها القانونية. بل نطالب بعقوبات مغلظة على المستهترين، إما لفداحة أضرار استهتارهم أو لعلمنا أن الغرامات المالية لا تردع المرتزقة، ولا بعض الأغنياء وأصحاب الدخل العالي.
أنا مع مشروع أبوي يمنح عفوا واسعا للمحكوم عليهم في القضايا المرتبطة بحرية التعبير السلمي، لأن جلهم ضحايا أمواج تمرد وتطرف، هيجتها الأعاصير الإقليمية. وأنا مع تعديل القوانين من أجل تقليل حالات، وتخفيف مدد، عقوبات السجن في ما يسمى بقضايا الرأي، ولكنني كالفرنسيين ضد إلغائها... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات