عبد اللطيف بن نخي يكتب.. التعددية تنمو في الخليج

زاوية الكتاب

كتب 3384 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي - التعددية تنمو في الخليج

د. عبد اللطيف بن نخي

 

قبل أيام قليلة، تسلم طالب برنامج دكتوراه سعودي في جامعة لفبرا البريطانية السيد محمد القحطاني، رسالة بمناسبة قرب شهر رمضان المبارك، من نائبة مديرة المدرسة التي تدرس فيها ابنته. ويبدو أن القحطاني استحسن كثيرا تلك المبادرة لما حملتها من ثقافة راقية وما تضمنتها من احترام بالغ للأديان الأخرى. ولذلك عبر عن تقديره للرسالة في «تويتر» مغردا «مدرسة بنتي في #بريطانيا مرسلين لي رسالة بسبب قرب #رمضان ويستفسرون عن إذا كانت راح تصوم وهل تحتاج أي تجهيزات أو عناية خاصة. تصرف جميل منهم احترامهم لمعتقداتنا وديننا».

بالرغم من أن هذه ليست أول تغريدة من خليجي يثني فيها على انتشار ثقافة التعددية في المجتمعات الغربية، إلا أنها لفتت انتباهي بصورة خاصة بسبب كثافة التفاعل معها والتعقيب عليها من قبل خليجيين، وكثرة الذين سجلوا اعجابهم بالتغريدة، وجزالة الذين أعادوا ارسالها عبر حساباتهم. فلذلك شاركت في نشرها، معلقا أن ثقافة التعددية تنمو في المجتمعات الخليجية. ولا شك أن هذا النمو والانتشار ليس إلا ظاهرة طبيعية، حين نجرّم خطابات الكراهية، وعندما نغيّب خطباء وخبراء الشحن الطائفي عن منابرنا الدينية والإعلامية.

كنت سأكتفي بمشاركتي تلك في شأن التغريدة، ولكنني بعد قراءة الرسالة المشار إليها في التغريدة، قررت أن أتناول التغريدة والرسالة في مقال هذا الاسبوع، حيث إن الرسالة كشفت لي عن ما هو أكبر من مجرد السماح للآخر بالتعبد وفق عقيدته، لأنها تشير إلى وجود حرص حقيقي على مساعدة الطالبة وتمكينها من ممارسة حقها في حرية العبادة.

ولأهمية مضامين الرسالة، قررت أن أعرض ترجمتها في هذا المقال، وإن كنت أدعو الجميع إلى قراءة النسخة الانكليزية لما فيها من أحاسيس أصدق.

نص الرسالة يمكن ترجمته إلى:

«نحن ندرك أنه من المتوقع أن يبدأ شهر رمضان في نحو 17 مايو هذا العام، وسوف ينتهي في 14 أو 15 يونيو. ونعلم أن بعض أطفالنا في المدرسة سوف يلتزمون بالصيام في هذا الشهر، وحيث إننا نعي أن الأطفال في المرحلة الابتدائية يعتبرون بشكل عام أصغر من أن يصوموا بالكامل، لذلك يرجى ابلاغنا إن كان طفلك من المحتمل أن يصوم جزئيا هذا العام، حتى نتمكن من تقديم الدعم المناسب، من قبيل غرفة للاسترخاء أثناء أوقات الاستراحة والغداء.

هذا العام سوف يتزامن بدء شهر رمضان مع موعد اختبارات المرحلة الرئيسية، ما قد يشكل ضغطا إضافيا على التلاميذ أثناء محاولتهم تحقيق التوازن بين التزامهم الديني وهذه المرحلة المهمة في تعليمهم.

نحن نعلم أن الآباء يقدرون كثيرا أهمية التعليم، ونأمل أن نكون قادرين على جعل شهر رمضان وقتا خاصا للالتزام الديني وللنجاح الأكاديمي، نأمل أن نحقق هذا لتلاميذنا من خلال العمل معا».

أرى أن رسالة المدرسة مدرسة للتعايش السلمي، لذلك أهديها إلى جميع معارضي الحريات الدينية في الخليج، شيعة كانوا أم سنة، ليبراليين كانوا أم إسلاميين، وسطيين كانوا أم متطرفين... نعم، القمع الديني مستشرٍ في جميع شرائح مجتمعاتنا الخليجية، وإن كانت بدرجات متباينة وبمبررات مختلفة.

فهناك من يحارب ثقافة التعددية والحريات الدينية من خلال خلق حاجز من الكراهية، بيننا وبين المجتمعات المتحضرة التي تصون الحريات والحقوق الإنسانية، عبر تذكيرنا بجرائم الحكومات الغربية في بلاد المسلمين، متناسين ماذا فعل - وما زال يفعل - المسلمون وحكوماتهم في بعض الأقطار الإسلامية كسورية. أدعو هؤلاء إلى تقبل وتبني إيجابيات تلك المجتمعات المتمدنة وحظر ورفض سلبياتها. وأدعوهم إلى استقبال وتعلم مبادئها المدنية وممارساتها الإنسانية، تماما كما نستورد ونستعمل سياراتها ومنتجاتها الأخرى الأساسية والكمالية.

وهناك من يجتهد في منع المشتركين معه في المذهب من ممارسة شعائرهم الدينية، بحجة أنها ضعيفة السند، أو منافية للعقل، أو مضرة للمذهب، متناسين أن هناك مراجع عظام أفتوا بجوازها، أو سمحوا بممارستها بالقرب من سكنهم. والأغرب من ذلك أن لمعظمهم موقف من الحروب الإقليمية مؤجج للطائفية، ولا يشككون في مصداقية أخبار وتحليلات منافية للعقل والمنطق، من مصادر إعلامية ثبت تلفيقها للأخبار مرارا.

عوضا عن انشغالهم في البحث عن قناع جميل ليستروا به قبح مشروعهم لقمع الآخرين، ومنعهم من ممارسة حرياتهم الدينية، أدعوهم للتعلم من الأوروبيين كيف أنهوا حروبهم الطائفية بلا رجعة، وتباعا تفرغوا للتنمية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

 

 

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك