‫داهم القحطاني: قمة «العُلا» يجب أن تكون نقطة بداية جديدة لحلم الاتحاد الخليجي وإلا فالبديل صيغة تعاون هزيلة لا يمكنها الصمود أمام خلافات عابرة‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 321 مشاهدات 0


على عكس تخوفات الناس في معظم دول العالم من عام 2021، بدا أن هذا العام يحمل البشرى والخير لشعوب ودول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد إعلان وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد عن القرار السعودي - القطري المشترك بفتح الحدود البرية والبحرية، وإنهاء الحظر الذي دام 1309 أيام مرت ممتلئة بالإحباط والقلق لكل مواطن خليجي يؤمن بالوحدة الخليجية.

هذا القرار يعتبر بداية جيدة لخطوات أخرى يؤمل أن تنهي الأزمة الخليجية سريعا لنطوي جميعا هذه الصفحة المؤلمة التي أتت كالصاعقة على رؤوس ملايين الخليجيين الذين يؤمنون بالمصير المشترك.

الأزمة الخليجية لم تكن لتحصل لو كانت صيغة مجلس التعاون الخليجي قد تطورت إلى إحدى صيغ الاتحاد المقترحة استجابة للنظام الأساسي لمجلس التعاون الذي يدعو إلى تطوير صيغ التعاون لتتحول إلى الاتحاد.

خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله انتبه إلى هذا الأمر، فدعا في قمة الرياض 2011 إلى تطوير صيغة مجلس التعاون ليكون اتحاداً خليجياً، وتم بالفعل تشكيل لجنة خاصة لبحث هذا المقترح، ولكن للأسف تطورات الخلاف الخليجي - الخليجي في مرحلتيه الأولى، 2014، والثانية 2017، جعلت هذا الحلم الخليجي القديم بعيد المنال.

الآن ومع استشعار أطراف الأزمة الخليجية خطورة استمرار الخلافات في التغيرات الإقليمية والدولية الخطيرة، أصبح الوقت أكثر من مناسب لإعادة بحث مقترح الاتحاد الخليجي، ولكن هذه المرة يفترض أن يتم البحث بشكلٍ جدي ومن دون تأخير بهدف الوصول إلى أفضل الصيغ المناسبة.

لنكن واقعيين في بحث الموضوع، فهناك دول ليست لديها رغبة في الوصول إلى صيغة الاتحاد الكامل لأسباب تخصها، وهناك دول لديها اشتراطات يعلم الجميع أنها لن تتحقق، لكن كل ذلك يجب ألا يكون كما العجلة التي توضع أمام الحصان كما يقال، فلا بد من اتباع أساليب أخرى لتجاوز كل هذه العقبات.

طوال 40 عاماً من عمر مجلس التعاون الخليجي تحقق كثير من الإنجازات بفضل مواطنين وقادة وحكومات ورجال ونساء آمنوا بأنه لا بديل للتعاون الخليجي، ومن يحاول أن يسطح إنجازات مجلس التعاون الخليجي ببساطة لم يتابع مسيرة هذا المجلس.

نعم، هناك معوقات حقيقية لكنها ولله الحمد قابلة للمعالجة، ومن ذلك عدم الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد، وهو الحلم الذي طال تحقيقه.

من الأمثلة التي أقترحها القيام بفصل المسارات في مسألة الاتحاد الخليجي حتى نتمكن من تحقيق التقدم ولو كان تقدماً بطيئاً.

مشروع العملة الخليجية الموحدة على سبيل المثال، هل يعقل وبعد 10 سنوات من الإعلان عنه من قبل 4 دول خليجية هي السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر أن يتعطل هذا المشروع الحيوي جداً رغم أن دولة مثل الكويت بادرت بخطوات متقدمة في هذا الشأن بمصادقة مجلس الأمة على الاتفاقية التي وقعتها الدول الأربع في هذا الشأن؟

ما المانع أن يتم إحياء هذا المشروع الوحدوي مرة أخرى، ثم تلتحق به دولة الإمارات، وسلطنة عمان حينما تبدأ الدول بحصد ثمار توحيد العملة الخليجية؟

نحن في دول مجلس التعاون نقع في منطقة غنية بالثروات الطبيعية، ومن أهمها النفط، كما أن الموقع الجغرافي محفوف بالمخاطر بسبب وجودنا في قلب العالم، حيث الربط بين الشرق والغرب، وبين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأطراف أوروبا، ولهذا علينا ألا نحلم بالاستقرار والأمن، فهناك دول عديدة تستهدف ثرواتنا إما عبر الهيمنة المباشرة وإما عبر سلاح الاتفاقيات الدولية أو عبر طرق ووسائل لا نعلمها.

لهذا كله على حكوماتنا الخليجية ألا تخادع أنفسها، وأن تتمسك بالاتحاد الخليجي كخط الدفاع الأول ضد كل المخاطر السياسية والعسكرية والاقتصادية والجيوسياسية التي لن ترحمنا.

وعلينا جميعاً في دول مجلس التعاون الخليجي، شعوبا وناشطين وسياسيين وكتاباً وبرلمانيين وحكومات، أن نبدأ حملة واسعة لتحقيق حلم الاتحاد الخليجي عبر اتباع أسلوب «فصل المسارات»، بحيث نحقق الاتحاد فيما هو متاح بين أكبر عدد من الدول، على أن تلتحق الدول الأخرى لاحقا في المسار الذي تعترض عليه حاليا.

الأمر لن يمر بسهولة، والاعتراضات في البداية ستكون كثيرة جدا، لكنها ستقل تدريجيا بعد أن تتم معالجتها بدمج الأفكار المتشابهة، وباتخاذ معالجات عدة تقضي على أي مخاوف من هيمنة دول كبرى على دول صغرى.

قمة «العُلا» يجب أن تكون نقطة بداية جديدة لحلم الاتحاد الخليجي، وإلا فالبديل صيغة تعاون هزيلة لا يمكنها الصمود أمام خلافات عابرة.

تعليقات

اكتب تعليقك