خالد الطراح: الغزو العراقي في طي النكران!

زاوية الكتاب

كتب خالد الطراح 514 مشاهدات 1


لم يكن الغزو العراقي للكويت زيارة خاطفة لتنسى، ولم تنزف العروق الكويتية بصدفة عابرة.. بركا من الدماء البشرية على يد جار عربي مسلم، لا يمكن تجاوزها شعبياً وسياسياً وتاريخياً، باستثناء كما يبدو حكومات منذ الغزو في عام 1990 وحتى اليوم! 

النكران هو ظاهرة نفسية تتملك الإنسان نتيجة حدث صادم، فيبرز الرفض في الاقرار في الحدث والواقع، ولكن النكران في عالمي السياسة والتاريخ ليس لهما مبرراته، ولكن لهما تفسيراته، وهي بالتأكيد ذات ابعاد سياسية ليست مبهمة!

ليس من العبث أن نعود إلى ذكرى الغزو العراقي مراراً وتكراراً، سواء عبر عرض جزئيات سياسية متفرقة أو لمجرد تشخيص الموقف الحكومي من ذكرى الغزو التي تشرق وتغرب في وسط حالة من النكران من قبل حكومة ممتدة وحكومات متعاقبة.

القوى السياسية المختلفة وكل شرائح وفئات الشعب الكويتي اتخذت موقفاً موحداً داخل الكويت وخارجها.. موقفاً مشرفاً مع الشرعية السياسية الكويتية لم تنل منه بطش سلاح الجار العربي، بل زادته تماسكاً وتلاحماً حول القيادة السياسية في مقرها المؤقت بمدينة الطائف السعودية. 

ذكرى تلو الأخرى منذ عام 1990 حتى العام الماضي، وربما لن يختلف عنه العام الجاري 2022، تحل الذكرى بملامحها الموجعة وذكرياتها المؤلمة على كل بيت كويتي وضمير بشري، في حين نلمح التردد والاضطراب السياسي الرسمي مع كل ذكرى!

لسنا بصدد اشعال الاختلاف مع الحكومة، فالشعب الكويتي لم ينتابه الخلاف ولا الاختلاف معها حتى بعد تحرير الكويت.. نحن نكتب بعتب شديد وقسوة المواطنة الحقة على سلطة حكومية ممتدة تخشى كما يبدو ذكرى الغزو العراقي!

لم نشهد مبادرة استثمار انصهار الوحدة الوطنية الكويتية في بوتقة واحدة، لا بل على العكس تماماً.. عصبية قبلية وطائفية ومذهبية وعائلية وفئوية تفتك بالكويت وبهويتها علناً حتى فقد القانون هيبته وحل بدلا منه الفساد في مفاصل الدولة!

كان يفترض أن تخرج الكويت في أكثر من درس اجتماعي وسياسي لترسيخ أركان الدولة المدنية، ولكن المسلك المغلوط كان خياراً رسمياً، للأسف الشديد، ما أدى إلى تراكم الأخطاء وتلاشي الدولة المدنية وتجذر الفساد حتى في المرافق الحساسة!

فضائح فساد شبه توطنت في الكويت، كشبهات طالت صفقات عسكرية وأخرى أمنية، فضلا عن قضايا غسل الأموال في الكويت وخارجها وفضيحة الصندوق الماليزي، الذي لم نزل نجهل مصيره.. صراع الأقطاب بات محوراً مقلقاً ومؤرقاً لنا ومفزعاً لجيل اليوم والغد!

انشغلت الكويت من دون مبرر في شؤون إقليمية معقدة، خاصة الفلسطينية منها، وتوغل عقيدة الغلو الأصولي، في حين غاب مشروع ترميم العلاقات مع الجار العراقي ثقافياً وإعلامياً، وعلى مستوى القوى المدنية بصورة خاصة.

إن شرارة العداء لم تختف عن كثير من الحناجر العراقية، وهو مؤشر نحو فشل دبلوماسية كويتية قصيرة النظر منذ التحرير حتى يومنا هذا.. إخفاق في إعادة ترتيب الأوراق في محاكاة الشعب العراقي والنخب السياسية المستقلة والمتحررة من قيود فارسية. 

مغامرات دبلوماسية لم تخل من تهاون وتجاهل في قراءة المشهد العراقي قبل وبعد سقوط المقبور صدام حسين، كالفوضى السياسية والعسكرية التي تمزق العراق الشقيق منذ عشرات السنوات وبمباركة وتدخل الجارة المسلمة إيران!

لا شك أن استمرار حالة النكران لن تقود إلى الخروج نحو آفاق رحبة تستفيد منها الكويت وطناً وحكومةً، بل إن النكران لذكرى الغزو والدور الشعبي الكويتي اثناء تلك المحنة يعزز من عمق فجوة العلاقة بين الشعب وحكومته.

ندرك تماماً أن تقبُّل الهزيمة مُر للغاية ومؤلم، خصوصاً حين تكون سياسية وعسكرية، ولكن التاريخ غير قابل للتجزئة، لذلك يجب أن ننظر بعز وفخر لذكرى الغزو وبرأس مرفوع، فالشعب الكويتي قدم درساً تاريخياً للعالم بالتلاحم ضد المحتل ومع القيادة السياسية الشرعية.

نحن لسنا ضد سياسة الحياد الكويتية، ولكننا ضد تراجع الدولة مدنياً على المستوي المحلي، وسياسياً على المستوى الإقليمي، فذكرى الغزو العراقي لا ينبغي أن تغيب عن الذاكرة الرسمية والدبلوماسية الكويتية لدعم قوة الدولة إقليميا، خصوصا مع العراق المضطرب أمنياً وطائفياً وسياسياً.

نتمنى أن تتلقف الإدارة الحكومية السياسية النصائح وقسوة العتاب بسعة الصدر من أجل أن تنهض الكويت كدولة مدنية قوية ومتماسكة في التعلم من دروس الغزو العراقي وعدم طي ذكرى الغزو لمواجهة الاطماع الخارجية وما أكثرها اقليمياً!

تعليقات

  1. الكاتب اصاب قليلا واخفق كثيرا أصاب بذكر أن الكويت لم تنجح في بناء علاقات اخوية مع العراق ولازالت يوما بعد يوم.تخسر العراق والعراقيين على حد سواء على الرغم من كون العراقيين هم بوابة الأمن القومي الكويتي واخفق في محاولة فتح جرح الغزو و استذكار احقاد ينبغي لها أن تدفن كون الشعبين من أصل واحد وان جار الاخ على اخيه فالصفح اولى من إيقاظ جمرة الاحقاد بين الأشقاء

اكتب تعليقك