زايد الزيد: قطر .. النجاح المبهر

زاوية الكتاب

كتب زايد الزيد 1936 مشاهدات 0


قبل بداية مونديال قطر ٢٠٢٢ كتبت مقالة قلت فيها بأن قطر نجحت في تنظيم المونديال قبل أن يبدأ، لكنني لم أتصور أن يكون هذا النجاح باهراً إلى هذا الحد ، كما شاهدناه مع نهاية المونديال ، والذي شهد تحديات كبيرة لدولة قطر قبل أن يبدأ من هجمات إعلامية منسقة من الصحافة الغربية التي غاضها تنظيم دولة عربية مسلمة مثل قطر لفعالية كبرى مثل المونديال، إلى هجوم "بعض" دكاكين حقوق الإنسان المسيسة التي تحاول فرض وصايتها اللاأخلاقية في قضايا مثل المثلية وغيرها، إلى توجس من قبل بعض محبي قطر من أن لا تكون قطر قادرة على السيطرة على الحشود الكبيرة والضخمة.

لكن ما حدث كان مذهلاً، إلى درجة أن بعض الصحفيين الغربيين، وأشهرهم الصحفي البريطاني بيريس مورغان غردوا باللغة العربية قائلين بأن هذا المونديال هو أفضل مونديال في التاريخ.

إن المثل العربي يقول "ليس من رأى كمن سمع" ، وبما أني عاينت البطولة شخصياً، إذ تشرفت بحضور حفل افتتاح كأس العالم، ثم في حضور سلسلة من المباريات على مدى ثلاثة أسابيع ، والوقوف على الأجواء العالمية للمونديال في قطر، فإن تسجيل مشاهداتي وتأملاتي لهذا الحدث الضخم بات مستحقاً، وإشادتي بالعاملين على المونديال ابتداء من سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وباني نهضة قطر والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والحكومة القطرية ، وانتهاء بأصغر متطوع ومتطوعة في المونديال بات واجباً.

نعم تفوقت قطر من كل النواحي، البنية التحتية، التنظيم المروري وإدارة الحشود، إلى النجاح الجماهيري والثقافي، إلى الثبات على المبدأ وعدم الركون لإملاءات الصحافة الغربية المتعالية، وإثبات أن دولة بحجم قطر تستطيع تنظيم فعالية كبرى بحجم المونديال.

فمن ناحية البنية التحتية شاهد العالم كيف لدولة صغيرة مثل قطر تنظيم بطولة بهذا الحجم وبهذه البنية التحتية الضخمة من شبكة مترو فائقة الجودة والتنظيم والدقة والرفاهية، إلى درجة أن الزوار الأوروبيين ذُهلوا من تقدم المترو القطري مقارنة بالمترو في باريس اولندن وعواصم العالم المتقدمة، إلى شبكة الحافلات التي تذرع قطر جيئة وذهاباً، إلى المرافق العامة في الكورنيش والبدع والخليج الغربي واللؤلؤة ولوسيل وغيرها، أما الملاعب المذهلة مثل استاد اللوسيل واستاد  البيت واستاد ٩٧٤ واستاد المدينة التعليمية واستاد الثمامة فإن اللسان يعجز عن وصف جمالها واتساع حجمها والخدمات الموجودة فيها والتي توفر الراحة والرفاهية للجماهير.

أما المدن القطرية، وأبرزها مدينة لوسيل التي بنيت حديثاً، والتي شهد ملعبها نهائي كأس العالم، فإنها معجزة معمارية تؤكد أن الإصرار والعزيمة والرؤية الثاقبة، عوامل إذا اجتمعت، قهرت كل شيء، وكم فوجئت وفوجئ من معي بأن مشروع مدينة لوسيل كان فكرة منذ عام ٢٠٠٥، نعم كان فكرة غير واضحة المعالم على الورق، لكنه في عام ٢٠٢٢ أصبح حقيقة شاهدها المليارات حول العالم في النهائي العظيم الذي جمع بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا.

أما من ناحية التنظيم المروري وإدارة الحشود، فإن قطر أثبتت تفوقها ليس على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم في إدارة الحشود والقضاء على أزمة الازدحام المتوقعة خصوصاً مع صغر حجم البلاد، وكانت الخطط المرورية فعالة والكوادر القطرية واعية تغير بين الفينة والأخرى خططها لمجاراة الازدحام والاكتظاظ.

لكن النجاح الحقيقي كان هو النجاح الجماهيري – الثقافي الذي استطاعت قطر التفوق فيه وقدمت من خلاله صورة رائعة من صور التعايش دون المساس بالثقافة العربية الإسلامية، بل وعلى العكس استطاعت قطر ومن خلال وقفاتها الحازمة ضمان عدم التعدي على هذه الثقافات، خصوصاً مع رفض رفع شارة المثليين، ورفض بيع الخمور في الملاعب، وتقديم هذه الثقافة للعالم وتعريفهم على الجانب الحقيقي للأمتين العربية والإسلامية وكانت لفتة تقديم "البشت" للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أبرز بطاقة تعريفية بالحضارة العربية للعالم.

علمتنا قطر عدداً من الأمور بعد تنظيمها لكأس العالم، أبرزها أن الأفعال يجب أن تكون مقرونة بالأقوال، وقد قال الشيخ تميم بن حمد وفعل، وأن تنظيم البطولات والمهرجانات العالمية الكبرى يمكن أن يتحول لقوة ناعمة للدولة وللأمة، وهذا ما حدث في حالة قطر، أما الشيخ تميم بن حمد، فتحول إلى – وبدون مبالغة – إلى أسطورة سياسية وتنموية واقتصادية ورياضية في العالم اليوم.

تعليقات

اكتب تعليقك