اقتصادنا أنبوب نفط، والقطاع الخاص طفيليات تعيش على امتصاص الانفاق الحكومي- مختصر مقالة حمد الجاسر

زاوية الكتاب

كتب 734 مشاهدات 0


اقتصادنا أنبوب طوله 3 كيلومترات

حمد الجاسر

الخميس, 4 - أكتوبر - 2007


يضحكني ان اشاهد أو أقرأ لأشخاص يقدمون انفسهم على انهم خبراء، وهم يتحدثون عن الاقتصاد الكويتي ويقيمون أداءه ويبحثون في عوامل تنميته أو الأطراف والقوى المؤثرة فيه، ونحن جميعا نعلم ان اقتصادنا ليس الا انبوبا للنفط يمتد لثلاثة كيلومترات بين هضبة الاحمدي ورصيف شحن الناقلات عند الساحل، وكل ما سوى ذلك هو ديكور أو تفاصيل وليس اقتصادا.

في كل دينار في جيب أي منا هناك 970 فلسا على الأقل جاءت من هذا الانبوب ذي الثلاثة كيلومترات، وبعد 46 عاما من الاستقلال ومن الحديث عن خلق بدائل للدخل الوطني غير النفط لايزال «الانبوب» يقدم كل عناصر الحياة والبقاء لدولة الكويت، ولا أتصور كيف سنستمر كدولة وكيان ومجتمع من دونه، وحتى لو بلغ سعر البرميل 75 دولارا، فإن هذا لا يخفف أي قلق من اللحظة المستقبلية التي يجف فيها هذا الأنبوب، أو يفقد ما فيه من نفط حظوته لدى مستهلكي الطاقة العالميين ونبحث عن اساس آخر يستمر فيه مجتمعنا في الحياة فلا نجد.

ومنذ درست علم الاقتصاد في الجامعة في اوائل الثمانينات، تكونت لي نظرية تقول ان الكويت تقوم على اربعة اركان كلها ثمرة ذلك الانبوب: الماء والكهرباء ورواتب الموظفين وسعر صرف الدينار، وأي شيء آخر هو غير مهم لاستمرار الكويت كدولة، وما زادني ربع قرن مضى على ذلك الا اقتناعا بهذه النظرية.

وخلال الاحتلال العراقي شاهدت هذه الأركان تنهار واحدة تلو أخرى، فلم تنته الدولة الكويتية لأن الحكومة انتقلت الى الخارج بل لأن الدينار فقد قيمته أولا، ثم لأن مدخرات الناس تلاشت، وبعد ذلك لانقطاع الماء مع بداية حرب التحرير، فلما توقفت الكهرباء قبل اسبوعين من التحرير كانت الدولة الكويتية قد انتهت كاملة.

أما الكذبة التي هي اقرب الى النكتة فحديثهم عن القطاع الخاص الكويتي ودوره في تنمية الاقتصاد الوطني أو الحلول محل الدولة في مستقبل البلد، ونحن نعلم ان قطاعنا الخاص ليس الا مجموعة من الطفيليات التي تعيش على امتصاص دورة الانفاق الحكومي وتعتاش عليها.

قطاعنا الخاص الذي لا يدفع أي ضرائب لخزانة الدولة ولا يوظف نسبة تذكر من المواطنين هو آخر من ينقذ مستقبلنا، ولو افلست الدولة وعجزت عن الانفاق فسيغادرنا هذا القطاع الخاص كما تهجر الطفيليات جذع شجرة جف ومات.

وفشلنا لا يقتصر على عدم وجود بديل واضح لعائدات النفط كمصدر للدخل بل يتجاوز ذلك الى اخفاق كبير في انفاقها، فالادارة الحكومية تبدو اكثر عجزا عن مواجهة مشكلات الخدمات العامة.

وهي في حال وفرة مالية غير مسبوقة عنها في ايام كانت الموارد اقل بكثير.

وهناك من يسأل ببراءة: هل من سبب لكي نفرح عندما نسمع ان سعر برميلنا بلغ 75 دولارا مادامت الخدمات الصحية والاسكانية كانت افضل عندما كان سعر البرميل 15 دولارا؟ وأن راتبنا وسعر النفط منخفض كان يشتري لنا أكثر بكثير مما يشتري الآن؟
اسئلة كثيرة تركناها للأجيال القادمة من غير اجابة، وربما تركنا لهم «صندوقا»، وتفاخرنا كثيرا بذلك، ولكننا لم نهيئ لهم «دولة»، مثل أب ثري وفاشل تراخى في تربية اولاده واعدادهم لمواجهة الحياة ثم ترك لهم بعض المال، فهل سيذكره الأولاد بأي خير؟
الوسط

تعليقات

اكتب تعليقك