د.أحمد حسين يطالب المرجعيات الدينية باستشعار هموم الناس بعيدا عن الفتاوي والمواعظ المكررة

زاوية الكتاب

كتب 601 مشاهدات 0





 د. أحمد حسين  | المزيد قراءة معاصرة لمشهد المرجعية الدينيةتثار بين الحين والآخر قضايا تتعلق بالمرجعيات الدينية، ويقوم الإعلام الفوضوي باللعب على أوتار الاهواء وشحن النفوس المشحونة بعشق الزعامة المقدسة، فيقوم بالترويج لأفراد يعرّفون أنفسهم بين الناس بأنهم أصحاب علم ودعاة حق، ومراجع للناس، بدعوى امتلاكهم مستوى عاليا جدا من الكفاءة والأهلية لتسنم مقام المرجعية الدينية.

وقد تكاثرت هذه الحالات وزاد كيلها عن الحد المعقول، ما جعلها ظاهرة تحمل في طياتها خطورة وتسبب تشتتا وتسيء الى الدين واهله.

ولا اقصد هنا المرجعية الدينية لمذهب ما دون آخر، كما لا اقصد شخصا بعينه، بل اقصد دراسة الخلفيات الاجتماعية والثقافية والدينية التي أدت الى الظاهرة التي نحن بصددها، والتي باتت تشكل قلقا حقيقيا لابد من مواجهته علميا.

من الواضح ان عالمنا العربي والإسلامي يموج بالزعامات الدينية، ولكن الملاحظة الأساسية ان الدين لا يشكل في عالمنا مرجعا أساسيا لضبط شؤون الحياة والاجتماع الإنساني، وهذه مفارقة تؤكد بوضوح ان الدين (الحقيقة الدينية)، ليس هو ما تخدمه هذه الزعامات او بعضها على الأقل، مما يجعل من الأهمية بمكان ان ندرس بتمعن هذه الحركة وانحرافاتهاالواقعة والمحتملة.

- أولا: لما كانت المرجعية الدينية الموجودة على ارض الواقع هي مرجعية أفراد، فإنه من الضروري ان نقيّمها من منطلق حركة الأفراد وفهمهم البشري للدين.. فالمرجع فرد يعبر عن رأيه حينما يستنبط الحكم الظاهري والذي يؤطر الموقف العملي في إطار شرعي ليلتزم به الناس. ولذلك فإن ممارسته تأخذ اعتبارها لدى العقل الإنساني من كونه صاحب خبرة عميقة ودقيقة تؤهله لاستنباط أحكام شرعية تفصيلية قريبة من الصواب.. ولذلك فإن الأمر لا يعدو -في حقيقته- ان يكون تعاملا ملتزما عقليا، يحاول البحث عن أجوبة لهموم الواقع الإنساني من خلال المنظومة التشريعية الإسلامية المستقاة من المصادر الرئيسة كالقرآن الكريم والسنة المطهرة.. واعتقد اليوم ان الإنسان الذي يلتزم برأي المرجع الديني، يجب ان يفهم ان عملية الالتزام لا تعفيه من التعمق في فهم معنى هذا الالتزام ومظاهره ومعالمه وأحكامه، حتى يتسنى لعملية الالتزام ان تخرج من دائرة التقليد الذي هو تراكم مذموم الى دائرة الاقتداء الذي هو لجوء عقلاني الى كهف العلم لمعرفة ما يحتاجه الإنسان في مجالات الحياة ولاعتقاد والعمل.

ومن ذلك كله نفهم ان المرجعية الدينية هي قيادة ناجحة لحركة تطوير ثقافي متخصص، تهدف الى نشر الوعي والارتقاء بالفكر الإنساني. ولذلك فإنها تستبطن في ذاتها مشروعا توعويا ترغب في ان تشارك به الناس على اختلاف وتعدد وتنوع واتساع مجتمعاتهم.

- ثانيا: الإشكالية الكبرى في طبيعة المشروع التوعوي الذي يعد وجها من وجوه العمل المرجعي، أنها تنحرف بسبب الفردية التي تنغمس فيها المرجعية احيانا، والتي تضرب بأطنابه في عالم الالتزام الديني عامة، لأن هذه الفردية تؤدي إلى التفاف نحو توفير أقصى درجات الاحترام للشخصية الفردية.. ومن المؤكد ان لهذا الالتفاف دوره الأبرز في تحوير الهدف من عمل المرجعية بحيث يصبح الأساس في الحركة هو خدمة الفرد لذاته.

واؤكد هنا انه لا يجوز ان نتجاهل حقيقة ان المرجعية مشروع يسبق الفرد وجودا واهمية وبقاء.. وهي كذلك الإطار الذي من خلاله يصان المشروع الفكري الهادف لتوعية الأمة والمجتمع، والحاضن الاول للدين في المجتمع.. وعليه، فاذا ما تحولت الحركة العقلية الحكيمة الاجتهادية من حركة علمية أصيلة إلى إعلان في الصحف والمجلات والى دعايات لفلان وعلتان، وغيرهما فإن المرجعيات، تتحول الى مشروع تجاري او سياسي لا ينتج الا تشددا وخرابا.

- ثالثا: هناك كثير من الناس يريدون، ولأدنى انحراف سلوكي او فكري، ان يتخلصوا مما يعدونه سببا لهذا الانحراف من دون ان يبحثوا مثلا عن صحة وصف هذا الشيء بالسببية أو عدم صحته.. واتساءل دوما: هل تنحصر آلية الاصلاح بالتدمير والتسقيط وغيرهما من مظاهر عنفية سقيمة؟

- رابعا: ان المرجعيات الدينية العلمية مطالبة اليوم بتطوير أدائها والابتعاد عن انتهاج القدسية والتقديس في تعاملها مع المجتمع، بل إنها مطالبة باستشعار هموم الناس، ليس عبر فوضى الفتاوى والمواعظ المكرورة، فإن ذلك غير منتج في عصر العلم والفضاء والتقنية الدقيقة وثورة الاتصالات، بل تحتاج، لكي تصبح أكثر إقناعا، ان تقترب من العقل الباطن لكل إنسان، وتبادر بجرأة وايجابية في الرد على أسئلة لا تستطيع الاكثرية التفوه بها خشية او حبا او غيرهما.. هذا هو دور المرجعية الدينية، وليس دورها أن تنغمس في البحث عن وجاهة زائفة، او قدسية زائلة، او حظوة مدانة.

- خامسا: ماذا تريد المرجعية من الإنسان؟ وكيف تريد المرجعية ان يكون الإنسان؟ واين هي أسس تحويل المرجع لعمله من فردية إلى مؤسسة عامة يخدم فيها الإنسان أخاه الإنسان، وينشئ أجيالا من الكفاءات الواعية والفاعلة في المجتمع الإنساني؟ أين هي المنهجية العلمية التي تلتزمها المرجعية الدينية لتطوير فهم النص الديني والاجتهاد على أساسها؟!

هذه أسئلة كبرى تحتاج إلى أجوبة واضحة، تساعد على حل إشكاليات وجدليات هذا القرن، لكن إذا أجيب عنها بمعايير القرون السالفة فإن التخلف سيزداد.

لا بد لنا من نبذ خرافة «العلوم التي احترقت»، ولتنطلق عقولنا وقلوبنا بشجاعة نحو الإبداع العلمي.. اما المرجعية الدينية

فلا بد من أن تحمل شعلة الإبداع وتضيء طريق المستقبل، لا أن تطفئ الشموع.

 

كاتب من الكويت

أوان

تعليقات

اكتب تعليقك