يراها تهدد «الثقافة التسامح»بين الحاكم والمحكوم التى اعتدناها منذ 60 عاما.. د.حامد الحمود يكتب عن مبررات الخوف من الخصخصة

زاوية الكتاب

كتب 730 مشاهدات 0




حول الخوف الكويتي من الخصخصة 

كتب حامد الحمود : 

 
إن الصيغة والشروط التي اقر بها قانون الخصخصة في مجلس الامة جعلت منه مرفوضا جوهرا وروحا. لذا، فالدقة تدعونا الى الاعتراف بانه ان كان في مجلس الامة، او على المستوى الشعبي، فان الغالبية ترفض عمليات الخصخصة التي اصبحت ضرورية لتحديث الاقتصاد ورفع العبء عن كاهل الدولة واحداث التنافس بين الافراد والشركات لتطوير عمالة محلية منتجة. لقد حدث هذا الرفض بالرغم من التقارير والتحليلات الاقتصادية المنطقية التي تحث على الخصخصة. فتقرير طوني بلير يحذر من ان ما يقارب من %82 من الكويتيين يعملون في القطاع الحكومي، وان 500 الف كويتي سيدخلون سوق العمل خلال العشرين سنة المقبلة، ولا يستطيع القطاع الخاص استيعاب سوى 100 الف منهم. ويحذر تقرير الشال الذي نشر في 2010/5/2 انه ستكون هناك حاجة لحوالي 20 مليار دولار لتغطية الرواتب والاجور لهذا العدد الهائل من العاملين في الدولة.
لقد اظهرت المداولات في مجلس الامة وخارجه، والاحتجاجات على قانون الخصخصة التي عبرت عن نفسها باعلانات في الصحافة، وتجمعات نقابية وشعبية من ان هناك غالبية من المواطنين يتلبسها الخوف من عمليات الخصخصة التي تهدد الطمأنينة والاستقرار اللذين اعتادوا عليهما هم وآباؤهم منذ اول الخمسينات من القرن الماضي. وذلك عندما رأت الدولة في حينها ان توفير الوظائف للمواطنين هو الأنسب لتوزيع الثروة النفطية. ولعلاج موضوع الخصخصة مستقبلا، على المشرع او المفكر الاستراتيجي او الباحث الاجتماعي او الاقتصادي ان يقدر هذه العواطف، والا يتعامل معها بفوقية «منطقية». فآدم سميث - الاب الروحي للاقتصاد الحديث، والمشهور بكتابه «ثروة الشعوب» الذي يدعو فيه الى الحرية الاقتصادية والى تقليل دور الدولة في الاقتصاد، يحث الاقتصاديين على تقدير العواطف والمشاعر واثرها الكبير في السلوك والخيارات الاقتصادية للافراد والجماعات في كتابه الآخر «نظرية الوجدان الاخلاقي». فالمنطقية المقترحة من قبل الاقتصاديين هي افتراض نظري. لذا، علينا ان نبحث في اسباب خوف الكويتيين من الخصخصة، فالخائف على وظيفته واستقراره واحيانا على عدم انتاجيته التي تعوّد عليها لا يهمه منطق تقرير طوني بلير ولا ارقام مكتب الشال. بالاضافة الى ان هناك عوامل واسبابا موضوعية ساعدت على وأد قانون الخصخصة، والتي منها:
اولا: غياب المثال الناجح، فعلى مدى السنوات الماضية، لم تحدث عملية خصخصة واحدة يرى فيها المواطنون انها وفرت فرص عمل لهم. كما ان ما حدث مثل تخصيص محطات الوقود، لم يضف الى الدخل القومي شيئا، وانما ما جرى كان مجرد تحويل من حساب الى آخر.
ثانيا:‍ لقد تم تداول قانون الخصخصة في مجلس الامة، بعد ازمة اقتصادية عالمية كان للقطاع الخاص دور كبير في احداثها. ما حدا بالكثير الى اطلاق دعوات بان تلعب الدول دورا أكبر في الاقتصاد. وكان للقطاع الخاص في الكويت دور في احداث ازمته التي جعلت الكثير ممن تحمس له ولأدائه ان يختفي عن الساحتين الاقتصادية والاعلامية.
ثالثا: لقد تعود الكويتيون - وعلى مدى الستين سنة الماضية- على الا تكون المحاسبة شديدة بين الحاكم والمحكوم. فالوفرة النفطية سمحت بتكوين «ثقافة» متسامحة يتغاضى كل طرف عن اخطاء الآخر، و«ألا يبالغ» اي طرف في محاسبة الآخر. وعمليات الخصخصة تهدد هذه «الثقافة» المتسامحة التي تعودنا عليها. ولعل اصعب ما سنواجهه هو كيفية التخلص من هذه «الثقافة» المتسامحة.
ان البحث في اسباب خوف الكويتيين وقلقهم من الخصخصة هو دعوة لتجديد طروحات وتقديم اقتراحات ومبادرات لنهج مسارات تعزز من دور القطاع الخاص. فعمليات الخصخصة هي وسائل مهمة لتعزيز هذا الدور، لكن ليست الوحيدة.

د. حامد الحمود

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك