د.جوهر يرى فى الصراع بين التكتلات بيعا للبلد بطريقة أخرى، مشيرا لمحاولات كيد كل طرف للآخر على حساب الدستور وحل المجلس

زاوية الكتاب

كتب 1215 مشاهدات 0


 



بيع البلد بطريق أخرى!
د. حسن عبدالله جوهر

 
الخلافات السياسية سواء بين النواب أو كتلهم البرلمانية، أو بين التيارات والقوى الوطنية، أو حتى على مستوى بعض أبناء الأسرة يبدو أنها تعمقت بشكل خطير، وباتت تهدد بنخر عظام الدولة ومؤسساتها.

وما يزيد الأمور تعقيداً وخطورة توافر وعاء الاستقطاب الشعبي الحاد، وبكل أشكاله الفئوي والمناطقي والطائفي وبشكل غير مسبوق، وجاهزيته لتقبل هذه الخلافات، ناهيك عن أن هذا الاستقطاب تتم تغذيته وتعبئته وتهييجه بشكل شبه يومي، ويُخشى أن يكون قد وصلت الحال إلى حد إمكان تمرير مشاريع التمزيق الكامل للنسيج الوطني.

ويبدو أن المسرح السياسي لدوّامة 'مصيبة تلد أخرى' بات هو الثابت ويتداول على خشبته الأبطال في مشاهد متعددة، لكن ذات سيناريو واحد، وقد تتبدل الأدوار فقط... ومن أجل إثبات الاختلاف فقط.

والأصعب على الإطلاق أن الاختلاف تحول إلى خلاف متعمد ومنظم، ويحمل صبغة واضحة من العناد ليشمل حتى المنظور الإقليمي ليس فقط فيما يخص السياسة الخارجية بل حتى مستقبل كيان الدولة، هنا قد لا يكفي القول إن بعض النواب لا يمثلون في مواقفهم ورؤاهم السياسية إلا أنفسهم، وبالتالي فلا داعي للخوف والجزع أو تفسير الأمور بأكثر مما تستحق، وذلك لأن كل موقف أو تصريح بات واضحاً أنه يجر معه البلد برمته وبقوة وسائل الإعلام واستعداد الذوق الشعبي نحو المزيد من الاصطفاف والاستقطاب.

إن ما حفظ الكويت على امتداد تاريخها السياسي، خصوصاً في عهد ما بعد الاستقلال، دعامتان صلبتان هما الدستور والسيادة الخارجية، وكانت هاتان القاعدتان بمنزلة خطوط حمراء لم يجرؤ أحد على تجاوزهما إلا الحكومة، ولهذا ورغم أن الخلافات كانت على أشدها دوماً في القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية بين التيارات المتنافسة، فإن الأغلبية العظمى من الشعب كانت تقف خلف القوى الوطنية مع الدستور، ومع سياسة التوازن الإقليمي الذي يكفل للكويت حياديتها واستقلالها وسيادتها، وكانت الحكومة هي الخصم المشترك عندما تعرِّض الدستور للخطر أو تتعمد إقحام كيان الدولة للخطر الخارجي.

أما اليوم فأصبح الاختلاف في الرأي مدعاة حتى للتطاول والتجرؤ على الدستور والدعوة العلنية، إما لتعديل الدستور، وإما لتفريغه من محتواه، وإما لتعطيل العمل به نكاية بالخصوم والمنافسين، وفي المقابل بدأ التصريح والتحريض على حل المجلس من قبل النواب أنفسهم أيضاً نكاية بخصومهم، بل وصل العناد بالاختلاف إلى حد التجرؤ على أصل بقاء الدولة والدعوة العلنية حتى إلى إلغائها أو إلحاقها بدول أخرى!

ووسط هذه المسرحيات المتكررة، بقصد أو من دون قصد، ضاعت قيم الديمقراطية وهضم إفرازاتها بصدر رحب، وقبول مفهوم الاختلاف السياسي واحترام رأي الشعب، فالديمقراطية حلوة ومرة في ذات الوقت، ورغم كوني من الأقلية المستاءة من نتائج التصويت على الكثير من القرارات واللوبي الصعب الذي يقف دائماً ضد ما نؤمن بأنه من مصلحة الأغلبية الصامتة والمغلوبة على أمرها، وأن المجلس أصبح في جيب الحكومة، فإن ذلك لا يعني أبداً إلغاء المجلس أو حتى تسليم بلدنا للغير وإلغاء وجوده ليرضى البعض، هذه صورة أخرى لبيع البلد لا تقل خطورة عن نوايا البعض في تمرير مشروع الخصخصة! فالعبرة في الصمود وتأدية الأمانة وتحمل المسؤولية والبر بالقسم حتى آخر يوم من العمل، وهذا هو قدرنا الذي يجب أن نحافظ عليه أولاً وأخيراً!

 
 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك