يوسف المباركي يتذكر كلمة مشهورة لإبن تيمية: الحرية لا تقدم على طبق من فضة وإنما بتضحيات.

زاوية الكتاب

كتب 1642 مشاهدات 0


بكيت يا فاطمة على المظلوم 

كتب يوسف مبارك المباركي : 

 
دخلت فاطمة بنت عبدالملك على عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد الخامس، رضي الله عنه، في مصلاه في جوف الليل الأخير، وإذا لصوته أزيز كأزيز المرجل ودموعه تتحدر على لحيته من شدة البكاء، فقالت له فاطمة: ما يبكيك يا أمير المؤمنين هل حدث للأمة شيء؟
فقال عمر بن عبدالعزيز: {يا فاطمة إني تقلدت من أمر هذه الأمة أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمجهول والمظلوم والمقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل واشباههم في أقطار الارض وأطراف البلاد فعلمت ان ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت ألا تثبت لي عند الله حجة فبكيت يا فاطمة».
ويغمى عليه وتقول زوجته كأن الأمة ستصبح وليس لها خليفة من شدة حزنه وخوفه من الله.
هذا الكلام يصدر من أعدل رجل بعد الخلفاء الراشدين لشعوره بثقل الأمانة والمسؤولية التي على كاهله، وهو يعلم بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظلموا» (حديث قدسي)، لأن ناموس الحياة هو العدل والعدل أساس الملك، وإذا اختل هذا الميزان انفرط العقد فلا يأمن الناس على حقوقهم المدنية والمالية، وهذه الكلمات التي نطق بها عمر بن عبدالعزيز تبيّن الحساسية المفرطة تجاه شعورهم بالمسؤولية وثقلها وليست فقط الوجاهة التي يتكالب عليها الناس اليوم.
كما أن للحرية والكلمة ثمنا منذ الأزل وذلك عندما أبدى شيخ الإسلام ابن تيمية رأيه في التتار أودع السجن بسبب رأيه وقال كلمته الشهيرة:
«إن سجنوني فإن سجني خلوة
إن نفوني فإن نفيي سياحة
وإن قتلوني فإن قتلي شهادة
بستاني في صدري أنّى ذهبتُ فهو معي».
يا له من رجل شجاع نتذكر كلامه بعد مرور ثمانية عقود، فالحرية لا تقدم على طبق من فضة وإنما بتضحيات، فكل الأمم الحية تقدم التضحيات كي تنال حريتها. والكاتب الفرنسي الشهير فولتير عاش في عصر التنوير من الفترة 1964 ــ 1778 وذاع صيته في أنحاء المعمورة دفاعا عن الحريات، وبعد وفاته اعتبرته «الجمعية الوطنية الفرنسية» واحدا ممن بشروا باندلاع الثورة الفرنسية التي تعد انجازا للشعب الفرنسي، وعلى ضوئها هدم سجن الباستيل الذي قيد الحريات وكمم الأفواه. فأصبحت فرنسا في مصاف الدول المتقدمة..

 

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك