جهود القائمين في وزارة الأوقاف لاستحداث منصب المفتي العام في الكويت لم يكن قرارا صائبا..والتجربة المصرية أكدت أن المنصب سياسي بالدرجة الأولى بعد فتاوى شيخ الأزهر بجلد الصحفيين فى مصر..وفاتها الفرق بين منصب المفتى وشيخ الأزهر

زاوية الكتاب

كتب 610 مشاهدات 0



المفتي فوق المساءلة السياسية
 
هيلة حمد المكيمي 

 
ما برحت ساحة الافتاء المصرية وعلى رأسها شيخ الأزهر والمفتي العام ان تهدأ اثر زوبعة حتى تدخل في الأخرى مرورا باستقبال شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي وفدا من حاخامات اليهود في ساحة الأزهر وموقفه من فوائد البنوك وفتواه في تحريم مقاطعة استفتاء الحكومة ومساندته للرئيس الفرنسي ساركوزي وقت ان كان وزيرا للداخلية في تصريحاته حول الإسلام وقانون تحريم الرموز الدينية في المدارس الفرنسية. وقد كانت آخر الزوبعات اثر تصريحاته التي دعا فيها بمعاقبة مروجي الشائعات والأخبار الكاذبة بـ 80 جلدة. أقول ان تلك الزوبعات خير دليل على ان جهود القائمين في وزارة الأوقاف لاستحداث منصب المفتي العام في الكويت لم يكن قرارا صائبا ولن تجلب للكويت الا المزيد من الفوضى والتوتر السياسي. فالتجربة المصرية تؤكد على ان ذلك المنصب سياسي بالدرجة الأولى ما تجعل متقلدة عرضة للنقد والإحراج المتواصل.

بل ان فتوى جلد الصحافيين جاءت في ظل التجاذب السياسي الحاصل ما بين السلطة والصحافة، وقد جاءت ردة الفعل الأولى للصحافة المصرية بعدم تصديق صدور تلك التصريحات فطالبوا شيخ الأزهر بالتعليق او تفسير تلك التصريحات المنسوبة اليه. جاء رد الشيخ قائلا «أنا حر، أقول ما اعتقده، أليست هذه حرية الرأي التي ينادون بها، أيحللونها لأنفسهم ويحرمونها على غيرهم، (الأنباء، 14 أكتوبر 2007). رد الشيخ يجعلنا نتساءل هل الفتوى تتساوى بالرأي؟ وهل تأثير حرية الافتاء على المجتمع يتساوى بالتأثير الناتج عن حرية الرأي؟ على الرغم من ان الفتوى بطبيعتها غير ملزمة وهذا ما يفسره كثرة الفتاوى حول قضية ما، الا انها تختلف بالمكانة والتأثير عن الرأي الذي قد يصدر عن أي شخص سواء كان صحافيا أم عالما أم جاهلا، ما يؤكد ان المفتي يجب ان يتوخى الحذر بالافتاء لما يحدثه من تأثير في حياة الناس، اما الرأي فيطلق له العنان للتعبير عملا بالنظم الديموقراطية التي تسعى لاستقرار الدول والمجتمعات. بل ان تضارب الآراء قد يدخلها في حالة من الفوضى التي ينظمها ويضبطها التعاطي الديموقراطي. ودور الافتاء يجب ان يأتي للمساهمة في المزيد من الاستقرار السياسي والاجتماعي لا ان يدخل في فوضى الافتاء تزامنا مع فوضى الآراء والتي ستفضي الى حتمية كارثية بلا شك. على الرغم من انتقادي لمشروع وزارة الأوقاف آنف الذكر الا ان ما يميز القائمين على هذه الوزارة هي المرونة في التعاطي مع مختلف الآراء لما فيه مصلحة الكويت واستقرارها الاجتماعي والسياسي، كما أثلج صدري تصريح الدكتور القدير خالد المذكور ان لا حاجة لمنصب المفتي العام وسنكتفي بلجنة الافتاء التابعة لوزارة الأوقاف وقد عبرت عن ذلك التوجه في مقال سابق نشر عام 2005 بعنوان «المفتي العام: استبدال مؤسسة بشخص». فإذا كانت مصر ذات الـ70 مليون نسمة قادرة على تجاوز زوبعات الافتاء لا اعتقد ان الكويت ذات الـ900 ألف نسمة من الكويتيين والمحاطة بإقليم غير مستقر سوف تتمكن من تجاوز مثل تلك الزوبعات دون ان تلقي بتبعاتها على سير العملية السياسية برمتها. ففي خضم المواجهة بين شيخ الأزهر والصحافة المصرية حيث طالب بعض الصحافيين بعزله، رد قائلا « هل انا جاي من بيت ابوك»؟ كما أكد على استعداده للمساءلة البرلمانية أمام مجلس الشعب ورفض ان تسمى «محاكمة» مؤكدا «أنا أكبر من أي مساءلة»، مع كامل تقديري واحترامي لشيخ الأزهر والخصوصية المصرية الا ان ما يعنيني هو انني لا ارغب ان ارى في المستقبل مفتي الديار الكويتية يؤكد «انه فوق المساءلة»، فمن فوق المساءلة هو الأمير فقط الذي يمارس صلاحياته بواسطة وزرائه ما يجعل ذاته مصونة لا تمس.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك