العلاقة بين الحكومة والنواب تحولت -لسوء حظ الكويت والكويتيين -الى »علاقة تربص«, لا علاقة تعاون,والتغييرات الوزارية السريعة جعلت الكويت مثل إيطاليا، مع الفارق فى بلوغ سن الرشد الياسي والاقتصادى ..مختصر مقال أحمد الجارالله
زاوية الكتابكتب أكتوبر 29, 2007, 12:11 ص 558 مشاهدات 0
حكومة الحلِّ الآتي على 'أسِنَّة الحراب' النيابية!
كتب- أحمد الجارالله:
مع تشكيل أي حكومة جديدة أو اجراء تعديل في الحكومة القائمة في أي بلد في العالم يتساءل الناس عادة: ماذا ستنجز هذه الحكومة? ربما باستثناء الكويت التي بات مواطنوها يتساءلون: متى سيتم حل الحكومة والإتيان بأخرى جديدة, او اللجوء الى البديل الآخر وهو حل مجلس الأمة?
وتلك حالة اوصلتنا اليها كثرة التغييرات والتعديلات الوزارية والتي جعلت الكويت اشبه ما تكون بدولة كايطاليا, مع فارق جوهري ومهم, وهو ان الأخيرة بلغت من »الرشد« السياسي والاقتصادي والحضاري ما يمنحها »حصانة« ضد أي اهتزاز لاستقرارها او اضعاف لاقتصادها بسبب سرعة معدل دوران الحكومات, اما الكويت فانها - ونتيجة لطبيعتها الجغرافية وصغر حجمها السكاني, واعتمادها على مصدر وحيد - تقريباً - للدخل هو النفط, ووجودها وسط محيط اقليمي يزخر بالصراعات السياسية والعسكرية فانها تتأثر حتماً بالتغييرات المتوالية وعدم استقرار اي من الحكومات الاخيرة أكثر من سنة واحدة, بل ان اطول مدة قضتها حكومة في التشكيلات التي حمل لواءها سمو الشيخ ناصر المحمد استمرت فقط 238 يوماً, اي لم تكمل العام, وهي الحكومة الثانية له, فيما لم تتجاوز سابقتها 143 يوماً ولا يتعدى عمر حكومته الثالثة التي عُدلت امس 213 يوماً منذ تشكيلها في الخامس والعشرين من مارس الماضي, ولايعلم الا الله وحده كم يوماً آخر تستمر في سدة المسؤولية.
واذا كان التعديل الذي اجري امس قد ادخل اربعة وجوه جديدة الى الحكومة,فان القضية لم تعد قضية وجوه جديدة او قديمة, بقدر ما هي قضية سياسات قديمة وتقليدية بات على السلطتين ان تتخليا عنها وان تتبنيا نهجاً جديداً يعيد التوازن المفقود الى العلاقة بينهما, التي تحولت - لسوء حظ الكويت والكويتيين - الى »علاقة تربص«, لا علاقة تعاون, فلم يعد هم كل سلطة منهما هو مقدار ما تنجزه للبلد, وانما همها الاول والأساسي هو: كيف تنال من السلطة الأخرى و»تعلو« عليها وتظهر امام الرأي العام أنها »صاحبة اليد الطولى«.
ومن دون ان نتجنى على اي من السلطتين, فان الواقع الماثل امام الجميع هو ان السلطة التشريعية خصوصاً استمرأت التعدي على اختصاصات السلطة التنفيذية والزحف على صلاحياتها, ولعل المثال الأقرب امامنا هو هذا التدخل »الفاضح« من جانب بعض الكتل النيابية والقوى السياسية في التشكيل الحكومي الاخير, ومحاولتها فرض وجوه بعينها واستبعاد اخرى »لا تهضمها«, وتهديدها الذي لم يتوقف بأنه اذا تم تدوير وزراء محددين فانهم سيلاحقونهم في وزاراتهم الجديدة, وهذا نوع جديد من الممارسة السياسية يستحق ان يدرس في كليات ومعاهد العلوم السياسية باعتباره »اختراعاً« كويتياً, بعدما بات لدينا نواب يضعون اعينهم اولاً واخيراً على الاشخاص, لا السياسات, ويتعهدون امام الشعب بملاحقة الوزير الذي »يستثقلون دمه« حتى لو ترك الحكومة وعاد الى بيته, وهي »عدوانية سياسية« اقرب ما تكون الى سلوكيات »قطاع الطرق« لا السياسيين واعضاء البرلمانات.
وقد لا يكون التعديل الذي اجراه سمو الشيخ ناصر المحمد ملبياً للطموحات الشعبية, كما وصفه بعض النواب, او انه جاء »مخيباً للآمال« حسب وصف آخرين له, لكن السؤال الذي ينبغي ان يوجه الى هؤلاء النواب هو: من اوصل سموه الى هذه الحال, بعدما باتت القاعدة في الكويت ان معظم الشخصيات الكفؤة والقادرة على خدمة بلادها »تهرب« من هذا التكليف, ليس ضعفاً او كرهاً للعمل العام والتضحية من اجل الوطن, ولكن »إيثاراً للسلامة«, ونأياً عن التجريح والتشويه اللذين صارا حظ كل من »يجرؤ« على قبول المنصب الوزاري, فهو »متهم« و»مدان« و»حرامي« حتى تثبت براءته, ونادراً ما تثبت هذه البراءة في ظل استجوابات »شخصانية« تمتلئ بالاحقاد والمرارات, وتكاد تخلو من السياسة والممارسة البرلمانية السليمة.
حكومة الشيخ ناصر المعدلة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها, غير ان ما يمكن ان يختلف هو »نهج« الحكومة وطريقة تعاطي مجلس الامة معها, فما لم تستقو هذه الحكومة بأدائها المتميز وثقتها بنفسها, وبتزكية سمو امير البلاد لها, ورسمه معالم الطريق امامها من خلال الكلمة التي سيفتتح بها سموه دور الانعقاد البرلماني الجديد غداً, وما لم يتوقف النواب عن التأزيم المستمر ومحاولات التكسب الشعبي - بكل أسف, فانه لا امل في اي تغيير ممكن, وستبقى احتمالات الصدام اقوى بكثير من احتمالات التعاون, وساعتها لن يصبح سائغاً في نظر الكثيرين اللجوء الى تغيير الحكومة من جديد, وإنما سيكون الاقرب الى التصور هو آخر الدواء »الكي«.. وحل »مجلس التأزيم«, وهو حل سيكون ذو طبيعة تنسجم مع واقع التسيُّب القائم.
تعليقات