عن كبت الأم , يكتب سعد بن طفلة

زاوية الكتاب

كتب 2071 مشاهدات 0

د. سعد بن طفلة

تفرض بعض العبارات السياسية نفسها وتصبح حديث الناس في بلد ما. ففضيحة 'ووترغيت' مثلًا أصبحت حديث الولايات المتحدة حتى أن اسم الفندق الذي تم فيه التنصت على الديمقراطيين -ووترغيت- أصبح مفردة باللغة الإنجليزية يعني 'فضيحة' , وعبارة الطابور الخامس جاءت من الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، حين أعلن أحد الجنرالات أن فرقه الأربع في طريقها لمدريد العاصمة إضافة لفرقة أو طابور خامس في الداخل، وتغير معناها لترتبط بأعداء الداخل في أي بلد. وفي كويت ستينيات القرن الماضي اشتهر 'الفرّاش' بالسرقات، وتداول الناس قصة لجنة تحقيق في اختلاسات بالبلدية خلصت إلى اتهام الفرّاش!!

في الكويت، تنتشر هذه الأيام قصة 'كبت' أم نائب برلماني، وهو واحد من مجموعة برلمانيين حاولوا إدخال ملايين الدنانير الكويتية في حساباتهم البنكية.
 
و'الكَبَت' باللهجة الخليجية كلمة مستعارة من الإنجليزية cupboard وتعني خزانة الملابس أو الدولاب. وكبت الأم غالباً ما يرتبط بملابسها أو بعض حاجياتها التي لا قيمة لها.

وصاحبنا -كما يتداول الناس علنا- أراد إدخال أربعة ملايين دينار كويتي (حوالي أربعة عشر مليون دولار ونصف المليون) نقداً وعدّاً. فاتصل به كبير مديري البنك ليسأله: يا أبا فلان، من وين لك هالمبلغ؟ فأجابه: لقيته بكبت أمي رحمها الله!! فقد أوصتني قبل وفاتها أن أبني لها مسجداً بالكويت، وآخر خارج الكويت، وبعد وفاتها فتشت في بقاياها وفتحت 'كبتها' فوجدت المبلغ!!

طبعاً، البنك لم يصدق رواية النائب وهو محال حاليّاً للنيابة العامة للتحقيق معه حول مصدر الملايين. لكن الكبت أصبح حديث الكويت، وانتشر ليصبح حديث كثير من المنتديات الخليجية. وتسابقت النكت والطرائف عن الكبت، فهذا يقول إنه ما أن سمع بقصة الكبت حتى سارع إلى كبت المرحومة أمه لعله يجد بعضاً مما وجده نائبنا 'الشريف'. وذاك نظم القصيد والشعر، فقال الشاعر حمد المخيال:

ناسٍ تعيش وتنتفع بالملايين ** وناسن على التموين يا دوب تعتاش

وناسٍ من المنحه تسدد لها دين ** وناسن 'كبتها' ضاق بفلوسها الكاش

طرفة الكبت المضحكة المبكية تعكس صخباً وجدلًا وصراعاً معلناً في الكويت بالتصدي للفساد، وقد أخذ هذا التصدي أشكالاً من الاعتصامات الأسبوعية والندوات والتجمعات المتنوعة. كما أنها تعكس حراكاً شعبيّاً ضج من فضيحة التحويلات النقدية، وتذمراً واسعاً من هذه الفضائح.

فضيحة الملايين بالكويت، واحدة من مظاهر مختلفة من الفساد في منطقتنا والعالم بأسره، فالفساد ليس سمة كويتية ولا هو احتكار عربي، لكن الفارق أن الفساد في دول المؤسسات تتم محاسبة مسؤوليه متى ما تم اكتشافه، لكن الفساد والمفسدين في منطقتنا غالباً ما يتصدرون الصفوف، ويتربعون على المناصب ويشار إليهم في إعلامنا الرسمي بالبنان، وأحياناً تجدهم يفتتحون مشروعاً خيريّاً هنا، ويقصون شريط مبرة إنسانية هناك.

يكلف الفساد سنويّاً عشرات المليارات في دول العالم، وتحتل دول عربية وإسلامية المراتب المتأخرة في مكافحة الفساد حسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية، ويرى المراقبون أن دولاً عديدة يمكن أن تتحسن أحوالها الاقتصادية ومستوى معيشتها الاقتصادي ورفاهها الاجتماعي لو أنها بذلت جهوداً عملية في التصدي للفساد.

لقد أصبح الفساد في منطقتنا واحداً من الأسباب التي قادت إلى الثورات العربية، وكان من شعارات تلك الثورات محاربة الفساد، فالملايين من العرب الثائرين يدركون أن الفساد سبب أساسي في شقائهم وفقرهم وحرمانهم فرص العمل والعيش الكريم، وذلك نتيجة للاستفراد بالسلطة بشكل مطلق، فالسلطة يمكن أن تقود للفساد، أما السلطة المطلقة فهي فساد مطلق كما يقولون.

إن السلطة والاحتكار بدون شفافية تولد الفساد، وولدت 'كبت أمه' أيضاً!!

الاتحاد الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك