خليل علي حيدر يستبعد أن تصبح تونس إيران العرب

زاوية الكتاب

كتب 888 مشاهدات 0


 


هل تونس.. إيران العرب؟

خليل علي حيدر


موقف بعض الليبراليين ومعارضي التيار الديني من رفض نتائج الانتخابات التونسية غريب حقاً ومتناقض الى اقصى الحدود فالديموقراطية الصحيحة، المتعارف على اصولها في كل البلدان العريقة في مجال تطبيقها منذ عقود مديدة، تقوم على اعطاء الحرية الكاملة للشعب لأن يختار القوى السياسية التي يثق بها والمؤهلة في اعتقاده بأن تحقق مطالبه واذا كانت شريحة كبيرة من الشعب التونسي، مثل الشعب التركي قبله، وربما مثل اي شعب بعده، وقد وضع ثقته في الاسلاميين، وفي حزب «النهضة» في الحالة التونسية، فما لنا جميعاً الا ان نبارك لهم هذا الفوز وهذه الثقة، وان تتعاون مع الحزب الفائز القوى الأخرى في حدود ما هو مفيد ومثمر للمصلحة الوطنية التونسية، وان تقف في صفوف المعارضة، وفق القواعد الدستورية، فيما تختلف فيه معه.
بالطبع، لا يخلو حزب، بما فيه حزب «النهضة» الاسلامي في تونس، من جناح متشدد وعناصر مؤدلجة متطرفة، وقيادات ذاقت العذاب والنفي، او الحبس والتعذيب في العهد السابق، وقد يسيء بعض هؤلاء فهم مقاصد الديموقراطية واساليب تفاعلها، ويعتقدون واهمين ان «نعم» الجماهير التونسية، او التركية والمصرية، قائمة على اسس دينية بحتة ثابتة، وان الانتخابات السياسية والبرلمانية من العبادات والشعائر الدينية المعروفة.
لقد رأينا في الكويت مثلاً كيف يرتفع جناح اسلامي في الانتخابات الاخيرة عام 2009 وينخفض جناح، بل كيف ينقسم جناح اسلامي متشدد، على نفسه ويتصارع مرشحوه قبل ان تبدأ الانتخابات عام 1985.
نجاح حزب النهضة، في دولة مثل تونس فيها كل هذا الانفتاح ومظاهر الحداثة، ولديها كل هذه التجربة مع تحرر المرأة وتجديد القوانين والتشريعات، وتعتمد اقتصاديا الى هذا الحد على السياحة الاوروبية بما يلحق السياحة من تسامح اجتماعي وتساهل ايديولوجي وغير ذلك، وترتبط فوق ذلك كله، اي الجمهورية التونسية، بسياسات اوروبا والولايات المتحدة، والشركات الاستثمارية العالمية والخليجية.. الخ.
مثل هذا النجاح الذي احرزه حزب النهضة، في بداية انطلاق العهد الجديد وحساسياته وتوقعات الجماهير في المن والسلوى والمعجزات، لن يكون نزهة سياسية للحزب، ولن تكون رحلة على طريق معبد. ولعل بعض هذه الحسابات كانت في ذهن قادته عندما طالبوا ولا يزالون ببدء الحوار مع المنافسين، وتشكيل الجبهات مع المخالفين، ربما لتغيير بعض الموازين، وتقوية بعض المواقع، وحماية النفس من اشكال اللوم والتقريع اذا فشلت السياسات.
هل ستعيد تونس «التجربة الايرانية»، عندما وعدت قيادتها الناس بالحرية السياسية وارتفاع مستوى المعيشة والتقدم الاجتماعي، ثم اخفقت.. وتحولت الى شيء آخر؟!.
لا اعتقد ذلك، فلإيران خصائصها المذهبية، وكان لرجال الدين فيها صراع قديم ودور سياسي يمتد قرناً قبل ثورة 1979 وربما أكثر، والأهم من هذا ربما ان بيد ايران ثروة نفطية هائلة لا تمتلكها تونس او تركيا او مصر ثم ان تونس، بما في ذلك قيادات حزب النهضة وعناصره، على علاقة واسعة بفرنسا واوروبا وربما أمريكا، ولا مجال بعد هذه الثورة العارمة وهذا الوعي الشعبي والدولي، للتسلط السياسي والدكتاتورية وتهميش الآخر في تونس، ولا يمنع هذا بالطبع استمرار اشكال الصراع والاختلاف السياسي والاجتماعي في ظل الديموقراطية.
لقد كان العالم العربي طويلاً قبل حركات التغيير والانتفاضات والثورات التي توالت عام 2011 ولا يزال، محصوراً بين الاستبداد والانظمة القمعية والفساد من جانب، وبين الجماعات الاسلامية التي تهدد الكثير من منجزات التقدم القليلة اصلاً في العالم العربي، ولا شك ان التجرية التونسية، وهي التي انطلقت منها هذه الحركة الكبرى، و«أم ثورات عام 2011»، ستثبت اما صدق فراسة العرب ومخاوفها، او ستزرع المزيد من الثقة بالخيار الديموقراطي وانتقال حياة بلدان المنطقة الى مرحلة جديدة.. لا مطرقة فيها ولا سندان!

خليل علي حيدر

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك