مؤسسة الحكم، براى النيباري لا تستحسن التجمعات الشعبية

زاوية الكتاب

كتب 425 مشاهدات 0



القبس

قراءة في جلسة افتتاح المجلس
مؤسسة الحكم لا تستحسن التجمعات الشعبية
كتب عبدالله محمد النيباري :
    
«أمير الكويت يوبخ المجلس والحكومة»...
هكذا جاء في جريدة الشرق الأوسط في مانشيت بارز، تعليقاً على جلسة مجلس الأمة 2011/10/25، ووصفت ما جاء في النطق السامي بأنه واحد من أكثر المواقف شدة حيال الأحداث الداخلية والسجالات السياسية بين البرلمان والحكومة التي شهدتها الكويت أخيراً، إذ وجه أمير الكويت توبيخاً شديداً لمجلس الأمة والحكومة.
هذا ما جاء في جريدة الشرق الأوسط، وأعتقد أنه وصف صحيح، فالتقريع الذي جاء في النطق السامي كان حاداً بشكل غير مسبوق.
فقد تضمن النطق السامي امتعاضاً من الممارسات التي تثير العصبيات القبلية والطائفية والفئوية البغيضة، وعزف البعض على أوتارها لتحقيق المكاسب الضيقة، وسعيهم لأن تكون مؤسساتنا التعليمية والاجتماعية والرياضية مرتعاً لهذه العصبيات، وتغذية الشباب بهذه المفاهيم المدمرة. وعبر الخطاب عن الاستياء الشديد من أجواء التأزيم السياسي والنزاع المستمر بين المجلس والحكومة، وتأسف لانحدار لغة الخطاب السياسي وللتراشق والتشكيك بغير دليل، كالاتهام بالفساد والرشوة والخيانة والعمالة، إلى آخر الألفاظ النابية، واستغرب تنادي البعض ممن يستطيع أن يطرح ما يعن له في إطار المجلس إلى تجاوز المؤسسة الدستورية، وعقد التجمعات في الشوارع والساحات، وافتعال الشحن والإثارة بما يعود بالضرر والخسارة على الجميع. كما طال الخطاب بالتقريع وسائل الإعلام، واصفاً دأب الكثير منها دون بعضها على صب الزيت على نار الفتن لتزيدها اشتعالاً، وتنفخ في أتون التأزيم والبغضاء، لاهثة وراء الإثارة وتأجيج الصراعات وافتعال العداوات مع الآخرين، جاهدة وراء زيادة الانتشار بأي ثمن بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطنين. واستنكر الخطاب انشغال البعض بالهدم بدلاً من البناء، وبالهجوم الشخصي بدلاً من التعاون من أجل الكويت، ونبّه الخطاب إلى الحاجة لنبذ الخلافات والالتفات إلى مشاريع البناء، وإلى ما يجري من حولنا من أحداث خطيرة وحروب دامية، ومستجدات كبيرة ومشكلات اقتصادية كبرى، محذراً من تأثيرها البالغ على أمننا الوطني ومصالحنا العليا.

الجديد
قد يكون ما جاء في النطق السامي مسائل وقضايا سبق أن نبه إليها أمير البلاد في مناسبات عدة، ولكن الجديد أنه هذه المرة تطرق إليها بشكل حاد، وربما عنيف، وهو ما يعكس المدى الذي بلغه ضيق سموه لتردي أحوال البلد والعبث الذي تتسم به ممارسات أبنائه، وجاء الخطاب هذه المرة صريحاً ومباشراً ومن دون تغليف النقد بأي عبارات تجميلية. ولاشك أن معظم الكويتيين، إن لم نقل كلهم، يشاركون أمير البلاد تشخيصه لحالتنا والتعبير عن الضيق مع استمرارها. ولم يتطرق الخطاب إلى قضية الإيداعات المليونية التي أثارت غضب الناس، ولا إلى التحويلات عبر وزارة الخارجية التي تثير التساؤلات والشكوك، ربما لأن طبيعة الخطاب الذي يلتزم بالإيجاز لم يوغل في التفاصيل، وربما لأن الأمر متروك للتحقيق أمام النيابة أو المجلس.
ولو أنزلنا عبارات الخطاب على الواقع، فماذا نجد؟
أولاً: ما من شك أن مؤسسة الحكم لا تستحسن التجمعات الشعبية في الشوارع والساحات، وهذا يعود إلى طبيعة الذهنية المحافظة من ناحية، ولأن التجمعات يغلب عليها الحماس والانفعال، وأحياناً المزايدات ورفع سقف الشعارات والمطالبات من ناحية ثانية، ولكن ذلك ناتج عن طبيعة المجتمع الكويتي غير المنظم الذي، برغم وجود مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات، تظل العفوية هي الغالبة في غياب سيطرة الجماعات المنظمة، ومع ذلك فإن البعض قد يتضايق من حدة الطرح، ولكن يجب أن نلحظ أن هذا التجمعات حتى الآن سلمية، ولم يحدث ان صدر عنها اي تعد على الممتلكات الخاصة والعامة، ولا اعاقة سير الحياة الطبيعي، وممارسة التجمع والتظاهر حق للمواطنين بموجب القانون والدستور قد يتضايق البعض منه، لكن لا ضير منه ما دام سلميا.

فئوية
ثانيا: نأتي للممارسات الطائفية والقبلية والفئوية، وهي أمر ينبغي الاعتراف بانه اصبح ظاهرة طاغية في حياتنا السياسية والاجتماعية، وأصبحت مؤثرا بارزا في الانتخابات، بل وفي أعمال القطاع العام، وأصبحت نمطا في تشكيل الحكومات، وهو أمر استحدثته منظمة الحكم. وطغيان الاصطفاف الطائفي ليس في المجال السياسي فقط ولكن في شتى المناحي، يعود الى ظهور تيارات الاسلام السياسي، فما دامت الايديولوجية دينية، فبالتأكيد انها ترتد الى المذهب والطائفية، واما الاصطفاف القبلي، فهو من افرازات الوضع الاجتماعي، وتعمق بسبب النظام الانتخابي، وفتح الأبواب أمام الواسطات والخدمات بسبب ضعف قيادات الجهاز الاداري وانفراط ضوابطه، وهذا امر تُسأل عنه الحكومة أو الحكومات المتعاقبة، فماذا عملت الحكومة لاطفاء لهيب هذا الاصطفاف والحد من آثاره السلبية على ادارة اجهزة الدولة وعلى الحياة السياسية؟

انحدار
ثالثا: أما الانحدار في لغة الخطاب السياسي، فهو أمر اصبح شائعا في جلسات مجلس الأمة، والسجال حاد لدرجة الاشتباك او توجيه الاتهامات بلا دليل، وما كان لافتا للنظر انه ما كاد صاحب السمو يغادر الجلسة حتى بادر البعض بممارسة ما استهجنه سموه قبل ساعة، احدهم انطلق لسانة ليقول (احط الجــ ......) وآخر يتهم زملاء له بانهم عملاء دولة اخرى منحتهم اراضي ومصالح.. هؤلاء النواب الذين تكررت منهم ألفاظ السباب والشتائم والمعايرة بالأنساب وكأننا في الجاهلية، هم نواب الحكومة، فكل واحد منهم محسوب على شيخ، ومعروف عنهم تمتعهم بالحظوة لدى القيادات السياسية، لدرجة انه يقال بأن من يريد ان يعين في وظيفة أو ترقية، أو يطلب سياحة علاجية ما عليه إلا ان يذهب إلى ديوان احدهم، ومما لا شك فيه لو ان الشيوخ تخلوا عنهم لحصل نوع من الترويض لهذه التصرفات الجانحة التي طال تجنيها أعضاء وقيادات ادارية، بل حتى الوزراء الذين شتموا وأهينوا علنا امام سمع وبصر القيادات السياسية ومع ذلك كوفئوا بدل أن يردعوا.

الإعلام
رابعا: نأتي في نهاية المطاف إلى الإعلام من جرائد وقنوات فضائية، وما اشار إليها الخطاب صحيح مائة في المائة، فالخطاب الاعلامي في صحافتنا وقنواتنا الفضائية، ما عدا القليل كما أشار الخطاب، نمطها ينحو إلى التأجيج والشحن والتعدي على الناس من دون وجه حق.
ولو فحصنا وضع مؤسسات الإعلام فماذا نجد؟
في الكويت تصدر 15 جريدة عدد قليل منها، أربع أو خمس، تصنف بأنها مستقلة، وست جرائد يصدرها شيوخ أو ممولة منهم، وأربع أو خمس تصنف أنها تابعة أو موالية.
والشيء نفسه ينطبق على القنوات الفضائية، فمن بين ست قنوات هناك واحدة او اثنتان تعتبران مستقلتين، واربع اما ممولة من الشيوخ واما موالية.
بناء على هذا التشخيص، يتحمل ابناء اسرة الحكم مسؤولية كبيرة في الانحدار والتدهور والسجال والشحن التي تشوب حياتنا السياسية، وهم بتصرفاتهم لا يستجيبون لنداءات صاحب السمو المتكررة. ولا يساعدونه في تحقيق رؤياه لتطهير الكويت من الآفات التي تعتريها.
وبطبيعة الحال، نحن لا نبرئ أبناء الشعب أينما كانت مواقعهم، سواء كانوا نوابا أو وزراء أو أفرادا يشاركون في التجمعات. ولكن مسؤوليتهم لا تتساوى مع من هو في المراكز المسؤولة المؤثرة في صنع القرار.


بقلم عبدالله النيباري



القبس

تعليقات

اكتب تعليقك