شباب الإرادة مع المعارضة صادق، ولكن المناخ السياسي والشعبي أضحى مصفراً .. مبارك الذورة

زاوية الكتاب

كتب 666 مشاهدات 0


 

الراى
د. مبارك عبدالله الذروة / قتلوا القتيل ومشوا بجنازته...

أدخل شاب متوسط الحال العناية المركزة على إثر طعنة من خنجر مسموم على يد سيد قوم في كبده. عندما أفاق حضرت النيابة للتحقيق معه متهمة إياه أنه خدش أنف سيد محترم! حاول الدفاع عن نفسه وأنه كاد أن يقتل من خنجره فقالوا مهما يكن فإنك خدشت أنفه... فأصبحت القضية... قضية خدش أنف، ولم يلتفت إلى الجاني الحقيقي، ولا إلى أدوات القتل، فأنف السيد ليست كأي انف!
وبعد أيام مات الشاب بجراحه النازفة، ومشى الجميع بجنازته... وحضر السيد مرفوع الأنف.. وقيدت القضية دفاعاً عن النفس!
مهما كانت الدوافع أو الأسباب، ومهما كانت الملابسات أو المفارقات،
ومهما كانت المقاصد والنيات فإن ما تم ليلة الأربعاء خرج عن روح المعارضة الواعية الراشدة الحكيمة.
لكنه من الظلم والافتراء أن نشاهد الصورة وهي معتمة لا نور فيها ولا وضوح، وبهذا الشكل يحفها الغموض، لأن الألوان وأبعادها الأخرى لابد أن تظهر للعيان ليتم على إثرها الحكم والتقييم.
مشاهد مؤلمة تلك الليلة يقرأها كل محب للكويت، تمثلت في فورة وثورة شبابنا الغاضب والمحبط، نسمع ذلك في صيحاته وشعاراته، ونرى ذلك في هندامه ووثوبه وانفعاله، نحس ذلك بنظراته الحادة تخترق الأفق لمستقبل مظلم وغدٍ مختطف!
كانت تلك الروح وهذا الشعور هو السائد عند شباب ساحة الإرادة...
ولاني مراقب عن بعد ولست ناشطاً سياسياً فإن سيكولوجية النواب اليوم تميل إلى حالة الجلد اليابس، والشعور بالمظلومية والغبن، يظهر ذلك من محاولاتهم المتكررة في استرداد حقوقهم المشروعة وإن بطرق غير معقولة! ومثلهم كمثل قاضٍ شريف رأى الجناة عياناً بياناً يسرقون البلد ويبيعون ضمائرهم للشيطان ومع ذلك يجدهم يدنون ويستشارون وتكون لهم حظوة البلاط ومجالسة السلطان!
والشعب خلفهم يدرك أن ربع نواب الأمة عليهم شبهات خطيرة، ورغم ذلك فليس بأيدي نواب الإرادة مستندات تدينهم، أو إدلة تلجمهم، وليس معهم أغلبية برلمانية تقف معهم وتدعم حجتهم وتؤكد زعمهم... فيلجأون لكل السبل لإبعادهم عن البلاد والعباد وإن كانت سبلهم في بعض زواياها مخالفة للمعروف السائد شعبياً! وقد اختلط حابل قضيتهم بنابلها كما يقولون.
يؤكد ذلك أن المراقبين يكادون يجمعون على فساد بعض النواب الموسومين بالقبيضة، لكن ما ارتكب بالأمس جعل مسألة الاقتحام تتصدر قائمة أنواع الفساد... واللي يحب النبي يضرب!
*
هناك شعور لابد أن نعيه كشعب، وننتبه له كأمة، هو وجود شعور عام خفي بأن السلطة السياسية لا تريد الإصلاح، وأن لها مصالح في إبقاء الوضع كما هو عليه. وأن الشيوخ الكبار لم يعد بحوزتهم منعه وقوة ليوقفوا النزيف الحاد، بل هناك من يعتقد أن الكويت حقاً مختطفة،
وهناك من يفسر أن سمو الرئيس قد يكون أيضاً مغلوبا على أمره،
قد تكون هذه تكهنات لكنها تثار في وسائل الاتصال ولم تعد خافية على أحد!
هناك الكثير الكثير مما يدور في مجتمع صغير مفتوح متغير، لا تقف الكلمة الحرة عند حد لتصل إلى نهاية صفحة اليوم وقد التهمت ما تبقى من لحمة الأمة وتراب الوطن. تلقفها مصانع الكلمة الحرام واللغة السوء لتجد وقودها وحطبها فتوقد النار ويزداد الاشتعال، فتبرز على السطح مرة أخرى قنوات وصحف لتتكسب فتستغل قضية الاقتحام وتتجاهل خطف الدستور وتعطيل رقابة النواب، فتشوه الصورة التراجيدية لسقوط وطن في يراثن الزور والبهتان، وتسلط الضوء وتصور المشهد بتهم الخيانة والعمالة، فتغيب أصول القضية، ويبرأ الجناة الحقيقيين المرتشين، وصناع التنقيح الباطل، لتدان المعارضة، ويخون الأمناء، ويبرز نجم الرويبضة من جديد!
لهذا يذوب القلب من كمدٍ
إن كان في القلب اسلامٌ وإيمانُ
*
ما الفرق بين الخطأ والخطيئة؟ هناك خطيئة هي تعطيل إرادة الأمة ودستورها، وهناك خطأ هو اقتحام البرلمان ومخالفة القوانين... لا يجب أن تكون الصورة والمشهد مجتزئا أو مبستراً، ولا يصح أن نبتعد عن الكليات إلى الجزئيات، ولا يجوز الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه،
فهل خدش الأنوف كطعن الأكباد والقلوب!
النظر الصحيح في الصورة الكاملة، والسمع الحر في الرواية الحقيقة والقصة بكل تفاصيلها... لم تصب أعيننا بعد بالرمد، وليس على أسماعنا وقر، بل نرى أن هناك تجاوزا واضحا من الحكومة على مصدر السلطات، وهناك خيانة من نواب قبضوا أموالا وعقاراً بغير وجه حق وهم محالون إلى النيابة... ونقر أيضاً أن هناك نواباً أخرين أنكروا وعارضوا ووقعوا بالمحظور!
ولكن، هل من طريق، ماذا سنفعل؟ إذا كان المناخ السياسي والشعبي أضحى مصفراً لا غيث فيه ولا مطير، والأرض قاحلة لا نبت فيها ولا كلأ، فلم البقاء وعدم الرحيل!
إن نوابنا خانوا الامانة حسب تضخم أرصدتهم، فهل لا نعدهم مؤهلين للتشريع والرقابة، وهل بعد هذا الليل من صباح جديد؟
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ووفق ولاة أمورنا لما فيه الخير والصواب، اللهم اهد قلوبهم للخير وكن معهم ولا تكن عليهم، وجنب البلاد والعباد شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن.


د. مبارك عبدالله الذروة

 

 

تعليقات

اكتب تعليقك