حادثة اقتحام المجلس خدمت الحكومة وغطت على عجزها، برأى النيباري

زاوية الكتاب

كتب 1378 مشاهدات 0



القبس

الحادثة المؤلمة خدمت الحكومة وغطت على عجزها
اقتحام المجلس يجب ألا يصرفنا عن قضية الإيداعات المليونية
كتب عبدالله محمد النيباري :

عبدالله النيباري
 
ان ما حدث في اقتحام المحتجين مجلس الأمة أمر غير مقبول ومستنكر، وتبرير بعض أعضاء مجلس الأمة بأن اقتحام المجلس كان بدافع تفادي صدام مع قوى الأمن كان يمكن ان يكون داميا، لا يستقيم مع اقتحام قاعة الاجتماعات عنوة من قبل النواب، وما تلى ذلك من العبث بمنصة الرئاسة وفتح ادراج الأعضاء.
هذا التفسير كان قابلا للتصديق لو ان دخول المجلس اقتصر على البقاء بين السور والمبنى، أو في الصالات الخارجية، ثم ان عدد من دخل المجلس حوالى 150 شخصا، فماذا عن الآلاف الباقية؟ هل سالت دماؤهم؟
لهذا كله، فإن تصريحات السادة أعضاء مجلس الأمة بتوجيههم التحية للمقتحمين، والتباهي بانه عمل بطولي، ورفض اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، كلام في غير محله ولا لزوم له.
يجب ادراك ان هذا الحدث ادى الى انعكاسات سلبية جسيمة، فهذه المغامرة من المحتجين تغطي عجز الحكومة على نحو ما جاء في افتتاحية القبس (الجمعة 11/18) ونقلت حديث قطاع واسع من المواطنين الذين أعربوا عن استنكارهم لممارسات الحكومة وموقفها المريب ازاء قضية الايداعات والتحويلات، وتجاوزاتها على الدستور، وعلى اساسيات العمل البرلماني والأصول الديموقراطية بتحويل مناقشة قرار المحكمة الدستورية بشأن الاستجواب الى جلسة سرية تقرر فيها رفع الاستجواب من جدول الاعمال.
لكن الناس أصبحوا منشغلين عن كل ذلك بالجدل حول رفض الاقتحام واستنكاره، او تبريره والدفاع عنه.
قبل هذه الواقعة، كان هناك اجماع بين الكويتيين أصحاب الضمائر والرأي الحر، والحريصين على مصلحة البلد باستنكار واستبشاع ليس باكتشاف وجود فساد، فذلك أمر معروف، لكن بوصول الفساد الى حالة بشعة بشراء أعضاء من مجلس الأمة، علناً، ومن دون خوف أو وجل، وباطمئنان تام الى أنه ليس هناك أي إجراءات ستُتخذ ضدهم، بل إن القضية ما كانت لتُكتشف لولا مبادرة القبس الغراء بنشرها.
هذا الإجماع تصدّع وأصيب بشرخ عميق ليس من السهل رتقه، طبعاً، نعلم ويعلم الجميع، أن هناك من المستنكرين من عبّر بحزن عن رأي صادق، وهناك من انتهز الفرصة ليصرخ بالصوت العالي بما كان يخشى حتى الهمس به عندما كان جو إدانة الإيداعات والتحويلات وموقف الحكومة ومحازبيها في جلسة الثلاثاء الماضي طاغياً ومسيطراً على الساحة، وكانت قوى الفساد ـ أو المتسامحون معه أو غير المدركين لأبعاده وخطورته ـ محجمة وملجمة لا تجد حجة أو ذريعة لتنطق برأي أو تعبر عن موقف مضاد. والأتعس من ذلك، ان هذا الحادث مزق المناخ الذي يلف كل الصادقين والمخلصين والحريصين ويوحدهم على مصلحة الوطن، فطفحت السلبيات وعدنا للاقتراب من الانحيازات والاصطفافات الفئوية بعد أن كنا نقترب من ولوج أبواب الوحدة الوطنية، وعادت نغمة الداخل والخارج والحضر والقبائل والفرز الطائفي.

تصريحات انتهازية
التصريحات النشاز من بعض أعضاء وعضوات مجلس الأمة حول اشتراك أفراد من السعودية أو من الخليج في التجمع، أو دخول المجلس، هي عزف على الوتر الطائفي بصورة انتهازية لا تهدف للدفاع عن الطائفة، وانما لكسب بعض الأصوات، وبهذا الصدد أسفت كثيراً لبيان الأكاديميين الذي يحمل الصيغة نفسها.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن صيحات العديد من المنضمين الى طابور الاحتجاج أو المعارضة، وهم أبعد ما يكونون عن الاحتجاج أو المعارضة، فكيف غيّروا جلودهم في لمح البصر؟! فإذا كنا نستنكر حصول 13 قبيضاً على سبعين أو مائة مليون دينار، فكيف نقبل ان يقف على منصة التجمعات الاحتجاجية المستنكرة من حصل على أرض هبة بالمخالفة للقانون والدستور، قدرت قيمتها بمائة وخمسين مليون دينار، واليوم تقدر بضعف ذلك.

الحراك الشبابي النبيل
هذا ما يتوجب على شباب الحراك الاحتجاجي - وهو حراك نبيل - أن ينتبهوا له، ويحاولوا بحرص شديد العمل على نقاء هذا الحراك الجماهيري الوطني، الذي يحمل في ثناياه حركة بنزعة وطنية خالصة يعوّل عليها ان تكون اداة الاصلاح والتصحيح بالدفاع عن الدستور والعمل على تنقية وتوحيد صفوف العمل الشعبي.
والآن، وبعد ان حدث ما حدث، يجب ان نعيد الامور الى نصابها، فواقعة اقتحام المجلس حدث طارئ، نأمل الا يتكرر بعد ان رفضته واستنكرته قطاعات واسعة من المجتمع، وان كان هناك من يدافع عنه ويبرره، كما ان اجراءات معالجته يجب ان تمضي، سواء كانت قانونية او غير ذلك.
اما القلق الأكبر الآن، فهو انه يجب ألا تصرفنا هذه الحادثة عن التصدي للقضية الكبرى، وهي قضية الايداعات والتحويلات، الى جانب استهتار الحكومة ومحازبيها بالدستور واصول الحياة البرلمانية باللجوء الى الجلسات السرية، لإفراغ صلاحيات المجلس وحق جمهور المواطنين من المساءلة والمحاسبة، فالأساس في الحياة الديموقراطية البرلمانية هو رقابة الجمهور على اعمال المجلس وعلى الحكومة، وهذا لا يحصل الا عن طريق علنية الجلسات وعلنية اعمال المجلس، فكيف تتحقق رقابة المواطنين على السلطات اذا كانت اعمال المجلس تمارس في جلسات سرية؟!
والغريب ان قرار المحكمة الدستورية نشر في الصحف وعقدت الندوات ودبجت المقالات لبحثه ومناقشته، وكانت في الحقيقة مناقشات راقية اثارت الرأي العام، فما الحكمة من مناقشته في جلسة سرية؟ لماذا يستهين رئيس الوزراء وحكومته ومحازبوه بالرأي العام، رأي الناس المواطنين الذين يدعون انهم ما تولوا مناصبهم الا لخدمتهم ورعاية مصالحهم؟ الآن يجب أن تطوى صفحة الجدل حول واقعة المجلس، ونعود إلى التصدي للقضية الأساسية، قضية محاصرة الفساد ومكافحته واجتثاثه، وقضية إصلاح الحياة السياسية، والأهم من كل ذلك تعزيز الوحدة الوطنية.

قضية سياسية
مكافحة الفساد ومحاصرته تتم بإقرار منظومة قوانين مكافحة الفساد من جهة، وكشف المعلومات عن واقعة الإيداعات والتحويلات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتشكيل لجنة أو لجان تحقيق تكشف عن أكبر كمية من المعلومات لتحديد من قبض، ومن دفع، وما هي المبالغ التي دفعت، وما هو مصدرها، وذلك باستدعاء البنك المركزي والبنوك التي تقدمت ببلاغات ومساءلة الحكومة حول التستر على هذه القضية.
مضىالآن ثلاثة أشهر منذ منتصف الشهر الثامن أغسطس والمعلومة الوحيدة التي يعرفها الناس هي ما نشرته القبس والإحالة التي تقدمت بها بعض البنوك.
والموضوع في الحقيقة سياسي وليس جنائياً، فكما قال سمو الأمير إن التعامل مع القضية تعامل يتم على أنها جريمة بموجب قانون غسل الأموال!
وأي تقدير واقعي يؤدي إلى الاستنتاج بأنه لن تكون هناك إدانة بموجب هذا القانون، وإن حصلت إدانة، فلن تتجاوز واحداً أو اثنين، فمن غير المعقول أن يكون هناك 13 نائباً يمارسون عملية غسل الأموال!
لهذا، في رأيي، الإدانة يجب أن تكون سياسية بالدرجة الأولى، والجريمة هي العبث بالحياة والواجبات البرلمانية وتخريب الحياة الدستورية والسياسية، وهذا يتطلب أمرين:
الأول: مراجعة السادة النواب المقاطعين موقفهم والعودة إلى المجلس وممارسة عملهم في اللجان، خصوصاً تشكيل لجنة تحقيق، فانسحابهم من التصويت على مقترح كتلة العمل الوطني هو تفريط في سلاح مضمون بيدهم لمحاربة الفساد، والتصويت دلل على أن فرصة تشكيل لجنة معقولة كان متوافراً خلافاً للمخاوف التي تثار من أن الحكومة وربعها لن يسمحوا بذلك، والقول، كما أبلغني بعضهم، بأن تشكيل اللجنة قد يعطل أو يطيل فترة الاستجواب، أقول إن أعمال اللجنة لا تتعارض مع إجراءات وخطوات تقديم الاستجواب، بل إن لجنة التحقيق سوف تدعم الاستجواب بما توفره من معلومات، وأي موقف يعرقل ذلك يعزز موقف المعارضة. خصوصاً أن الحكومة سوف تستخدم كل ما لديها من أدوات لتأخير الاستجواب أو تعطيله كاللجوء إلى الإحالة إلى اللجنة التشريعية أو المحكمة الدستورية، أو حتى تعطيل أعمال المجلس، لاسيما بعد الحجج التي وفرها اقتحام المجلس.
الأمر الثاني: ان تراجع الحكومة موقفها، فالمعالجة الأمنية أو حتى التمحك بالإجراءات القانونية لن يخفف من حالة التوتر والتأزم التي يعاني منه البلد، بل سيزيدها احتقاناً وربما اشتعالاً، وأنا أؤكد على ما جاء في مقالة الأخ عبدالله بشارة يوم الاثنين الماضي بأن مماحكة الحكومة باللجوء إلى الأسلحة القانونية - دع عنك المعالجة الأمنية - لا تعالج ما نحن فيه، ومن وضع متأزم يتطلب تعاملاً سياسياً مرناً متبصراً، وبرؤية شاملة مستنيرة تأخذ في الاعتبار الحالة الشعبية في البلد وحالة الغليان في المنطقة العربية التي تعيش إرهاصات الربيع العربي وتداعياته، والتي تمس أو حتماً ستمس كل دول الإقليم، وما جاء في جريدة الواشنطن بوست يجب أن يقرأه المسؤولون بعناية، فهي ليست تغطية صحفية فقط، بل يجب أن تقرأ كرسالة مهمة.

لمن يهمه الأمر
فقد تناولت الصحيفة (واشنطن بوست) أحداث الكويت في ثلاث تغطيات صحفية، اثنتان منها عبارة عن تقريرين صحفيين عن الأحداث والثالثة، وهي الأهم، الافتتاحية التي حملت عنوان «اضطرابات في الكويت»، جاء فيها بعد استعراض الأحداث ما يلي، أنقله حرفياً:
«بدلاً من التهديد باستخدام القمع repression، فإن من الحكمة أن تستمع السلطة إلى المعارضة التي لديها شكاوى مشروعة، فلقد منع البرلمان من التحقيق في فضائح فساد خطيرة، بما في ذلك ما جاء في التقارير عن ودائع بملايين الدولارات في حسابات بعض أعضاء البرلمان، وتحويلات من قبل مسؤولين حكوميين لحسابات في الخارج. إن ما تحتاجه الكويت ليس الإجراءات الصارمة crackdown بل تحتاج تقدماً أسرع نحو ديموقراطية برلمانية حقيقية من دون زيف، والتي يجري من خلالها اختيار رئيس الوزراء من قبل أغلبية برلمانية».
هذه افتتاحية واحدة من أهم جرائد الولايات المتحدة، وهي التي أدى كشف محررها بوب وود دوار فضيحة الووتر جت إلى استقالة الرئيس نيكسون عام 1974، وتقديري أنها رسالة إلى من يهمه الأمر، ربما من دولة حليفة، والمطلوب حكمة وروية ومرونة، وتجاوز مشاعر العناد أو المكابرة، أو الحساسية المفرطة.. المطلوب إدارة دولة مؤسسات ومجتمع وقضايا.
المطلوب معالجة سياسية حكيمة من كل الأطراف.

عبدالله النيباري

تعليقات

اكتب تعليقك