افتتاحية “الواشنطن بوست” بداية إعلان اهتمام أميركي موجّه نحو الكويت، برأى الديين

زاوية الكتاب

كتب 1746 مشاهدات 0



عالم اليوم
 
أبعد من مجرد افتتاحية صحيفة!
كتب أحمد الديين
ليس أمرا معتادا أن تتناول صحيفة أميركية رئيسية مثل “الواشنطن بوست” الشأن السياسي الكويتي الداخلي في افتتاحياتها؛ وذلك على النحو الواضح واللافت للانتباه الذي تناولته فيه ضمن افتتاحية عددها الصادر يوم الأحد حول الأزمة السياسية المحتدمة في الكويت، وتحديدا ما جاء فيها من أنّ الانفتاح السياسي المحدود في الكويت ليس كافيا، وأنّ الكويت ليست دولة ديمقراطية، إذ إنّ سلطة مجلس الأمة محدودة جدا ولا وجود للأحزاب السياسية، والأهم ما أوردته الافتتاحية من نصيحة ذات مغزى بأنّ “ما تحتاجه الكويت ليس القيام بحملة لقمع المعارضة، بل المضي باتجاه ديمقراطية برلمانية حقيقية، تقوم غالبية أعضاء مجلس الأمة باختيار رئيس الوزراء فيها، كما فعلت دولتان ملكيتان هما المغرب والأردن ذلك، تلبية لمطالب المحتجين، حيث تعهّد ملك الأردن مؤخرا بالسماح للبرلمان المقبل باختيار رئيس الوزراء. فهذه الإصلاحات الجزئية تقدم حلا للتقدم إلى الأمام في الكويت والبحرين وقطر ودول الخليج الأخرى، بما فيها السعودية، بحيث تسير كل دولة من هذه الدول بالوتيرة المناسبة لها. ولكن إذا أردنا تفادي اندلاع ثورات فيجب أن تسير عملية الإصلاح بخطى حثيثة نحو الديمقراطية الحقيقية”.
فنحن هنا لسنا أمام مجرد افتتاحية صحافية، وإنما نحن إزاء بداية إعلان اهتمام أميركي موجّه نحو الكويت ومسار تطورها السياسي الداخلي، وهو أمر لا يصحّ تجاهله أو الاستخفاف به أو التهوين من تأثيره، ويفترض أن يؤخذ في الحسبان، خصوصا عندما يرتبط مثل هذا الاهتمام الأميركي الموجّه نحو الوضع السياسي الكويتي الداخلي بالخطط الجديدة للولايات المتحدة الأميركية الهادفة إلى تعزيز وجودها العسكري المباشر في بلادنا بعد الانسحاب من العراق، التي ستترتب عليها نتائج ذات تأثير كبير وخطير لن يقتصر على ترتيب الجوانب العسكرية واللوجستية فحسب، وإنما سيمتد بالضرورة إلى ترتيب جوانب أخرى، من بينها التأثير على الوضع السياسي الداخلي الكويتي عندما تصبح الكويت هي المركز الأهم لهذا الوجود العسكري الأميركي في المنطقة... وهذا ما يجب الانتباه إليه جيدا وقراءته مبكرا.
وشخصيا ليس لدي أدنى وهم حول اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بنشر الديمقراطية في البلاد العربية، فهي الدولة الإمبريالية الأكبر وما يعنيها أولا وأخيرا هو مصالحها ومصالح إسرائيل، ولكن الواقع الجديد أنّ الإمبريالية الأميركية قررت أن تبدّل سياستها في المنطقة العربية بما يتوافق مع مصالحها والأوضاع المستجدة بعد الانتفاضات الشعبية التي شهدها أكثر من بلد عربي منذ بداية هذا العام، ويتمثّل هذا التبدّل في السياسة الأميركية بالانتقال من الموقف المعتاد لواشنطن في دعم الأنظمة الاستبدادية الفاسدة، مثلما كان عليه الحال في تونس مع ربيبها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفي مصر إلى الأيام الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع مبارك؛ وما كان قائما بينها وبين المقبور معمر القذافي من تفاهمات وصفقات، بحيث أصبحت واشنطن تتبنى سياسية أخرى تستهدف احتواء الانتفاضات الشعبية العربية والتحكّم في مسارات التغيير السياسي في البلدان العربية وإعادة ترتيب الأوضاع فيها على نحو يتناسب مع هذا الوضع المستجد، خصوصا أنّ الأنظمة البديلة والقوى المتنفذة في البلدان التي شهدت تغييرات سياسية ليست على قطيعة تامة مع الولايات المتحدة، بل أنّ هناك تفاهمات قائمة معها، ولن تنتهج هذه الأنظمة البديلة أو القوى المتنفذة الجديدة خيارات اقتصادية واجتماعية مناقضة للارتباط التبعي بالنظام الرأسمالي العالمي، هذا إلى جانب تبني واشنطن سياسة موازية تدفع في اتجاه إصلاح ما يمكن إصلاحه في بعض الأنظمة الوراثية الملكية مثلما حدث أو يمكن أن يتطور في المغرب والأردن، وهذا ما يُفسر تركيز افتتاحية “الواشنطن بوست” على اقتداء الكويت ودول الخليج بالتجربتين المغربية والأردنية في الانتقال إلى نظام برلماني من شأنه أن يجري بعض التحديث على أنظمة الحكم بما يتناسب مع الأوضاع السياسية الجديدة التي يجري ترتيبها للمنطقة العربية ككل، وبما يؤمّن استقرارا طويل المدى في البلدان الخليجية ويبعد عنها احتمالات التغيير الجذري، وذلك كتأمين استراتيجي للمصالح الحيوية الأميركية في بلداننا.
وليس أمامنا سوى أن نصلح أوضاعنا ونتدبّر أمرنا بأنفسنا، وذلك قبل أن يتدبّره سوانا نيابة عنا؛ ويفرض علينا “إصلاحاته” بما يتناسب مع مصالحه وأجنداته!


 

تعليقات

اكتب تعليقك