هل تضحي انجيلا ميركيل بنفسسها ام بالوحدة الاوربية؟ يتسائل الكسندر نزاروف
الاقتصاد الآننوفمبر 24, 2011, 10:20 ص 383 مشاهدات 0
تواجه المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل في هذه الايام لربما اصعب الفترات في حياتها السياسية. فقد اصبحت ازمة الديون الاوروبية خلال الاسبوعين الاخيرين حادة بشكل لم يسبق له مثيل، حارمة بذلك السياسيين الاوروبيين عمليا من امكانية المماطلة في اتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية، ولكنها حتمية. وقد امتدت ازمة الديون حتى الى المانيا. وعلى هذه الخلفية ، يتوقف حاليا على نتائج لقاء ميركيل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي في ستراسبورغ، المرتقب الخميس، 24 نوفمبر/تشرين الثاني، لا مصير المشاركين فيه فحسب، بل وكل منطقة اليورو.
وقد تفاقمت قضية افلاس اليونان، التي تم حلها على حد الزعم، من جديد، اذ لا توجد لدى الصندوق الاوروبي للاستقرار المالي، الذي تقرر زيادة راسماله حتى تريليون يورو لمساعدة اليونان والبلدان الاوروبية المستدينة الاخرى، اموال، ويعاني نفسه من صعوبات في الحصول على سلف. وفشلت اول محاولة للحصول على سلف، ولم يتسن للصندوق الا بيع جزء من حجم السندات المقرر. واخذ يتضح عجز السلطات الاوروبية عن حل قضية ديون اليونان للاسواق المالية، وفي النتيجة اخذت البلدان الاوروبية المستدينة تفقد ثقة المستثمرين بسرعة متزايدة. وقد تجاوزت قيمة السلف بالنسبة لايطاليا نسبة 7%، وهي راسخة عند هذا المؤشر،رغم كافة جهود البنك المركزي الاوروبي للتخفيف من الذعر. واثر ايطاليا ارتفعت الى مؤشرات قياسية على مدى العقد الاخير، الفوائد على سندات اسبانيا وفرنسا. وبعد ان طلبت المجر المساعدة، ارتفعت الى مؤشرات قياسية قيمة التسليف للنمسا، التي لبنوكها استثمارات هائلة في سندات العقار المجرية. وبرزت من جديد قضية افلاس بنك 'Dexia' الفرنسي- البلجيكي العملاق، اذ ارتابت الحكومة البلجيكية من امكانية دفع قسطها لمساعدة البنك، مما ادى الى ارتفاع الفائدة بشكل جامح على القروض لبلجيكا، الى اكثر من 5%. وتجاوزت ازمة الديون جنوب اوروبا، وامتدت حتى الى البلدان التي كانت تعتبر في السابق موفقة.
وتتمثل احد المؤشرات المقلقة جدا، التي كان الاقتصاديون يتابعونها، في الفرق المتزايد بين فوائد ديون اعضاء منطقة اليور الضعفاء والمانيا، التي كانت فوائد قروضها بالحد الادنى، لان الاخيرة كانت تعتبر مدينا مضمونا. ولم تتعرض قدرتها على تسديد الديون الى ادنى شك حتى آخر لحظة. ولكن لم تفلح المانيا، قبل يوم من لقاء ميركيل ـ ساركوزي ـ مونتي، الا ببيع سندات بقيمة 3.664 مليار يورو من الحجم المقرر في البداية بمبلغ 6 مليارات. ومجرد لم يتقدم مشترون على الباقي في ظل الفائدة المعروضة. وبهذه الصورة وصلت ازمة الديون الى المانيا! وبدأت المانيا تعاني الان من مشاكل في مجال التسليف. واذا وافقت على مقترح فرنسا باصدار سندات اوروبية عامة لمساعدة اليونان والبلدان الاوروبية المستدينة الاخرى، فان هذا يقوض اكثر ثقة المستثمرين بها، ويزيد حتما قيمة تسليف المانيا نفسها. ولا تستطيع ميركيل الموافقة على هذا.
وعلى خلفية المشاكل المالية المتفاقمة صدرت احصائية مفجعة بشأن الانتاج الصناعي في اوروبا، اذ انهار مؤشر الطلبات الصناعية في سبتمير/ايلول بنسبة 6.4%. وشكل التدهور في المانيا 4.4% (وهو الاقصى منذ اكتوبر/ تشرين الاول 2008، اي منذ بداية الازمة)، وفي فرنسا ـ 6.2%، وفي اسبانيا ـ 5.3%، وفي ايطاليا ـ 9.2%. واخذت اوروبا تعاني اكثر فاكثر لا من ازمة مالية فحسب، بل واقتصادية شاملة.
وتعارض اغلبية السكان في المانيا نفسها العضوية في منطقة اليورو، والجميع تقريبا يعارضون بشكل قاطع اعانة بلدان جنوب اوروبا المفلسة على حساب المانيا.
وعلى هذه الخلفية حرمت ميركيل عمليا من امكانية المناورة. فمن جانب، وصلت منطقة اليورو حقا الى حافة الانهيار، واصبحت كافة القضايا ملحة لدرجة، بحيث من المتعذر المماطلة في حلها. واذا لم تمنح اليونان الان قسطا جديدا من القرض بمبلغ 8 مليارات يورو، فسيتعذر عليها في ديسمبر/ كانون الاول دفع اجور موظفي الدولة. كما ستتعذر عليها خدمة ديونها، وستضطر لاعلان الافلاس رسميا، وبالتالي سيلف الغموض حركة المؤشرات، وستواجه سوق سندات الدولة خطر انهيار اسواق التسليف بصورة عشوائية وامام انظار الجميع، وافلاس البلدان الاخرى في الدور، اسبانيا وايطاليا والخ، وبالتالي كل منطقة اليورو، ومن ثم حلول كارثة مالية واقتصادية عالمية. ومن جانب آخر، فان التنازلات على حساب اموال مواطني المانيا تهدد ميركيل بفقدان سلطتها في المستقبل القريب. ومع ذلك فعاجلا او آجلا لن تكفي الاموال الالمانية، واوروبا ستعود الى ما هي عليه الان.
ان الرهان عال للغاية. فمن جانب، لا يزال من الممكن وقف، او على الاقل ابطاء بشكل ملموس، السيناريو السلبي باتخاذ قرارات سياسية تقشفية، وبالمرتبة الاولى، بصيغة تقليص النفقات بشكل واسع، مما يشكل انتحارا سياسيا لقادة البلدان الاوروبية الرئيسية. ومن جانب آخر، يهدد عدم القدرة على اتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية لدى الناخبين، بفقدان السيطرة على العمليات الاقتصادية المتردية بشكل جامح، والتي بوسعها ان تتمخض بعد بضعة اشهر عن انهيار منطقة اليورو والنظام المالي العالمي مع عواقب وخيمة للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي. فهل ستضحي انجيلا ميركيل بنفسها من اجل البقاء على اوروبا موحدة ؟
تعليقات