الكويت على مفترق طرق

زاوية الكتاب

كتب 1001 مشاهدات 0


تحتشد في الكويت خلال ساعات قوى أهلية وشبابية وسياسية ونقابية معارضة للمطالبة برحيل الحكومة ، يتوقع مراقبون أن يكون هو التجمع الأكبر على الإطلاق بفعل الإحتقان الذي ولدته عدة أحداث متتالية على مدى سنوات وعلى أثر إحتجاز شباب متهمين باقتحام مجلس الأمة الكويتي،الذي فسره متعاطفون بأنه مجرد تصرف عفوي هيأت له ملابسات الحدث وحيثياته،ورسالة بأن المعارضة ترغب بإستعادة مجلس الأمة بعد أن استولت عليه الحكومة عبر التزوير ورشوة النواب حسب منظورهم. بينما صورته أوساط قريبة من الحكومة بأنه رسالة رمزية مفادها أن هناك مخطط للإستيلاء على الحكم .

وبالرغم من أن كلا الطرفين ليس بريئاً تماماً من التلاعب بالكلمات ومحاولة تضخيم أو تهويل المواقف لتسويق فكره وأجندته ،عبر قنوات إعلامية وصحف ومواقع التواصل الإجتماعي تويتر وفيسبوك والعزف على أوتار الطوائف والقبائل والعنصرية لتصل أحياناً لتحول بعض الوسائط الإعلامية لبث متواصل للنحيب والتفجع والشكوى ل'شيطنة الآخر' في استغلال بشع لمشاعر البسطاء وربات البيوت، كان الحال كذلك للسنوات الثلاث الأخيرة لكن تطوراً لافتاً سوف يغير مسار الأحداث إعتباراً من حادثة إقتحام مجلس الأمة.

فبعد حادثة إقتحام مجلس الأمة والتي في رأيي يجب أن لا تفصل عن السياق العربي والعالمي ، كما رأيناها في تحركات عديدة حول العالم كما هو الحال مع حركة إحتلال وول سترست أو إحتلال طوكيو أو أوكلاند وإمتداداً لديناميكيات الحركات الشبابية العربية،بعد تلك الحادثة وجدت الأوساط التي تتعيش على تأزيم العلاقة بين أطراف الحكومة والمعارضة ضالتها،وبدأت بالمتاجرة بتلك الحادثة وتصويرها على أنها أمر مخطط ومدروس، بل ولم تتورع عن وصمه بأنه تمرد قبلي يهدف للانقلاب على الحكم،وقد كان حل مجلس الأمة قاب قوسين أو أدنى، لكن ترددت أنباء أن قطب برلماني كبير لعب دوراً بارزاً للحيلولة دون الحل،وتم تفويت فرصه أخرى نحو التخفيف من الإحتقان  عبر صناديق الإقتراع.

وبدلاً من السعي نحو احتواء وتطويق الخلافات وفهم حتمية التعامل الإيجابي مع ترددات الموجة الشبابية العالمية والطاقة التي تولدها في مجتمعنا الصغير والتناغم معها،تم الدفع بالحكومة نحو استخدام نفس الورقة التي طالما حذروا من استخدامها،فأصبحت لعبة الشارع تستخدم من كلا الطرفين، ، فبعد أن ظلت المعارضة تحتفظ لنفسها بتلك الورقة الأخيرة، هاهي الحكومة تقرر النزول للشارع وتحشد مؤيدون لها،مما زاد في تعقيد الموقف.

مشكلة الحكومة أنها لا تريد الإقتناع بأن ما يحدث اليوم هو في الجزء الأكبر منه هو حصاد مر لسنوات من السياسات الفاشلة والتحالفات مع أطراف إنتهازية لا تتمتع بالاستقامة أو النزاهة أو حتى العمق الإجتماعي على أقل تقدير ، والتعدي على المواطنين والنواب جسدياً وعدم التصدي لظاهرة الفساد وغسيل الأموال واستخدام أدوات نيابية وإعلامية تعيسة تتفنن في إستفزاز مشاعر الناس وخلق عداوات للحكومة كانت في غنى عنها ورعاية إعلام مستهتر يضرب القبائل ويشكك في مواطنتها ويحتقر العديد من شرائح المجتمع.

ولا يمكن أن يغفل أي منصف أن الحكومة واجهت بدورها في كثير من المراحل إستهدافاً وشخصانية من بعض النواب  وهي بدورها وجه آخر من وجوه مشكلة إنعدام التنظيم الحزبي الخاضع للرقابة والمحاسبة.

اليوم نرى مشاعر الغضب الشعبي على الحكومة تشبه أجواء ما بعد التحرير،عندما كان هناك الكثير في النفوس من سوء إدارة الأزمة مع العراق قبيل الغزو، لكن الإحتلال كان كفيلاً بتجاوز تلك الرواسب فالجميع كان في قارب واحد،اليوم أمام الكويت تحدي كبير، ربما بات مؤكداً أن عليها أن تتجرع الدواء المر،و تستل ورقة من التاريخ وتتعلم من دروسه فتجري انتخابات حرة ونزيهة، وتنظف بيتها الداخلي وتشكل حكومة ائتلاف وطني مع المعارضة كما كان الحال مع حكومة 92 ولكن بدور أساسي للمعارضة وتستفيد من الطاقات الشبابية وتوظفها لصالحها، وتعيد توحيد الخطاب الإعلامي وتخفيف الإحتقان السياسي ومعالجة الجروح العميقة التي خلقها الإعلام المأجور الذي يتعيش على خلق الصراعات والفتن. ومن جانب آخر على المعارضة أن تغلب المصلحة العامة و تتخلى عن لعبة تهشيم الرؤوس واللعب بالنار، على جميع الأطراف اليوم الإنحناء أمام العاصفة الإقليمية والتعاون من أجل الوطن ودفن الأحقاد فكما قال أحد القادة العرب كل شيء ممكن أن يحدث في الشهور المقبلة،ولا نعرف في أي لحظة سيقفز ملف أكثر خطورة من القضايا العالقة إلى السطح، فالحريق وصل لطرف الثوب،فهناك قارب واحد فحسب يحملنا جميعاً و كويت واحدة فحسب لا تحتمل المزيد من المغامرات خصوصاً والوضع الإقليمي أشد هشاشة مما نتخيل.

سلوى السعيد

باحثة واستشارية كويتية

الآن - رأي : سلوى السعيد

تعليقات

اكتب تعليقك