الضغط الشعبي الشبابي هو من فرض استقالة الحكومة، برأى النيباري

زاوية الكتاب

كتب 857 مشاهدات 0


 

القبس

السلطة تعاملت مع الأحداث بشكل انتقائي وانتقامي
الضغط الشعبي الشبابي فرض استقالة الحكومة
كتب عبدالله محمد النيباري :
 
«أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً».. هكذا جاءت استقالة الوزراء الثلاثة، فكانت مستحقة وإن جاءت متأخرة، لكنها حققت المطلوب، لأنها أدت الى استقالة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وحكومته، وهكذا تحقق مطلبٌ، أعتقد أنه يحظى بما يقارب الإجماع، وبذلك أحدثت انفراجاً للأزمة وإن كان بشكل جزئي، لأن قائمة المطالب مازالت قائمة، وعلى رأسها إطلاق سراح الشباب المتحجزين وحل مجلس الأمة.
من إيجابيات استقالة الوزراء التي أدت، أو بالأحرى فرضت استقالة الوزارة بكاملها، أنها رفعت الحرج عن سمو أمير البلاد، فكان سموه في رفضه مطالب النواب عند مقابلتهم له بتنحية رئيس الوزراء، أو قل الحكومة بكاملها، كان رد سموه لديكم الأدوات الدستورية، وتحدث عن موقف اعتُبر متصلبا، رافضا اتخاذ اي اجراء تحت الضغط. يجب ان نعترف بأن حجته قوية، ولكن عندما جاءت استقالة رئيس الوزراء وحكومته اتخذ الموقف السليم والحكيم بقبولها.
ولكي نضع الأمور في نصابها نحو فهم أو تفسير سليم لتوالي الأحداث، لابد من التأكيد على أن استقالة الوزراء، ومن ثم استقالة الحكومة، لم تنضج وتتحول إلى حدث وواقع إلا بعد ازدياد وتصاعد الضغط الشعبي الشبابي، وبالتالي نستطيع القول إنه هذا الضغط هو الذي فرض استقالة الحكومة.
وهذا الضغط الشعبي تراكم وتضاعف عبر فترة زمنية منذ أواخر العام الماضي بعد التجمعات الرافضة لقضية شيكات رئيس الوزراء، وبعد تقديم شكوى بحق النائب فيصل المسلم، ثم جاءت قضية ضرب الناس، وعلى رأسهم النواب، الذي مارسته القوات الخاصة في ديوان النائب جمعان الحربش، ثم جاءت فضيحة إيداعات النواب المليونية لتشعل الساحة، وأدت الى اتساع مساحة الغضب عندما استنكرتها كل فئات المجتمع، وزاد ذلك طريقة الحكومة في التعامل معها، فبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر، لم تتقدم الحكومة ببيان، بل ولا حتى تصريح يوضح للناس ما الخطوات التي اتخذتها أو ستتخذها لكشف أمر الإيداعات ومحاصرتها، والإعلان عن أطرافها راشين ومرتشين.
الغضب الذي فجّرته هذه القضية سببه الإهانة التي صدمت إحساس الناس بقيام من يُفترض فيهم أنهم ممثلو الأمة والمعبرون عن ارادة الشعب، والمقس.مون على حماية حقوق المواطنين ومصالحهم، أصبحت ذممهم معروضة للبيع والشراء، دون حياء أو خوف أو وجل، أي ببجاحة! في البلاد الأخرى من يرتكب إثما أو انحرافاً من هذا النوع يعترف ويعتذر وطبعا يستقيل، لكن هؤلاء الفسدة ما زالوا يتصرفون بوقاحة، متمسكين بمناصبهم ربما طمعا في المزيد بقبض المتأخر.
ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر مؤسسة الفساد، عندما رفعت الشكوى بحق الشباب والنواب الذين دخلوا مجلس الأمة.
اقتحام مجلس الأمة لم يكن مبرَّرا ورفضته واستنكرته أوساط وقوى عديدة في المجتمع، ولكن كان المطلوب أن يتم التعامل معه أخذاً بالظروف الإقليمية والمحلية التي اكتنفته. فعلى مستوى الإقليم العربي هنالك ثورة تجتاح أقطار الأمة العربية ضد أنظمة الاستبداد والفساد، سقط معظمها وبعضها ينتظر، وعلى المستوى المحلي هنالك حراك شعبي، لا يقتصر على النواب، متواصل منذ أكثر من سنة.
اقتحام الشباب للمجلس عمل طائش، نعم، لكن أسبابه ودوافعه سياسية، وكذلك تداعياته. الناس رفضوا الحدث من هذا المنظور أي باعتباره مساساً أو تعدياً على رمزية مبنى المجلس وقاعة عبدالله السالم، فهي رمز الدستور والديموقراطية وموطن الرقابة والمحاسبة والمساءلة ومصنع القوانين والتشريعات التي بواسطتها يُدار البلد، وذلك كله يعتبر مكسباً ليس للشعب الكويتي فقط، ولكن لكل أبناء الخليج والجزيرة العربية، الذين يسهرون الليل متابعين انتخابات مجلس الأمة الكويتي، كما يفعل أهل الكويت وبتفاعل عاطفي معهم، ولكن المؤسف أن السلطة تعاملت مع الحدث بمنطق آخر وبأسلوب انتقائي شمل شبابا لم يشتركوا في دخول المجلس، مما أدى الى تفسيره على أنه عمل انتقامي كيدي، مقصود به ضرب حراك الاحتجاج الشعبي. السلطة تعاملت مع الحدث وكأن من قام به عصابة سطو بقصد الاستيلاء والتخريب والتعطيل مع سبق الإصرار والترصد، وإطلاق التصريحات بالتهديد بأن ما حدث جرائم قد تصل عقوبتها الى السجن المؤبد، وفي ضوء ذلك صار تصرف (أو تصرفات) السلطة الأهوج بحجز الشباب بطريقة يصاحبها تعدٍّ بالضرب، ثم البدء بإجراءات التحقيق وتكييف القضية وكأنها قضية أمن دولة انتهت بحبس مجموعة من الشباب 21 يوما على ذمة التحقيق، تضخيم التعامل مع الحدث على أنه محاولة لصرف الأنظار عن القضية الرئيسية وهي قضية الايداعات والتحويلات.
ويجري كل ذلك بينما النواب القبّيضة الفسدة يسرحون ويمرحون، ينكرون فعلتهم ويهددون بمقاضاة من يتعرض لمشاعرهم غير النبيلة، والسلطة تقف كمن يدافع عنهم بالقول إن المسألة لدى النيابة، وتتعامل معهم بأقصى حالات التستر، فلم يصدر إعلان عن الإجراءات وبحق من ولم تتسرب ولا معلومة، وهذا ما زاد من استفزاز مشاعر الناس من كل الأطياف ومن كل الفئات العمرية نساء ورجالاً تجمعوا معتصمين في ساحة محاكم العدل التي نأمل ان تكون اسما على مسمى.
ولهذا ولدت قضية جديدة بالإضافة الى فضيحة الايداعات والتحويلات، وأدت الى تزايد المجتمعين والمعتصمين في ساحة وزارة العدل، وأؤكد من كل أطياف المجتمع الكويتي.
وتوجت هذه التجمعات بالتجمع الكبير الرائع يوم الاثنين، الذي ضم جميع مكونات الشعب الكويتي، وهو أكبر تجمع شعبي ليس في الكويت بل في الخليج والجزيرة العربية، إذا استثنينا اليمن، وتحولت ساحة الارادة الى ميدان تحرير كويتي.
فالمعلومات التي تسربت عن طائرة الحكومة الحوامة الهليكوبتر التي مسحت ساحة الارادة، قدرت الحضور بأكثر من 50 ألفاً، وتفاوتت الارقام بين 35 و70 ألفا، وحتى لو أخذنا الرقم الأدنى فهو رقم ضخم منسوبا إلى تعداد الكويتيين، فهو يشكل أكثر من %2 في حين أن تجمع المليون في ميدان التحرير يعادل %1.2 من المصريين.
نحن في منعطف جديد، مازلنا نأمل أن تسود الحكمة والأسلوب المرن في التعامل مع الأزمة التي نمر بها ويعاني منها بلدنا وإفرازاتها.
تجمع الاثنين كان تجمع إجماع شعبي كويتي.
أملي أن تحرص السلطة السياسية على تحري المعلومات الدقيقة عنه وقراءته قراءة صحيحة.

بقلم عبدالله النيباري

تعليقات

اكتب تعليقك