الاقتصاد هو المدخل العملي لأي إصلاح شامل في البلد بقلم سعيد توفيقي

الاقتصاد الآن

316 مشاهدات 0


في رد على سؤال وجهه رئيس تحرير القبس السابق محمد الصقر أثناء مؤتمر صحفي عقد عام 1995 حول سيطرة الهاجس الأمني على القرار الاقتصادي، قال سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم رحمه الله تعالى، وكان وقتها رئيساً للوزراء: “نعم الجانب الأمني يشغل ذهني، فجار الشمال يتربص بنا الدوائر، ولا بد أن تكون عيني على أمن الكويت” ثم استرسل سموه مركزا في نظرته تجاه الصقر “أين يابوعبدالله تريد أن تكون عيني… على البورصة؟”، وحينما قالها سموه ضجت القاعة بالتصفيق.
تلك مقدمة ضرورية لفهم جزء كبير من الأحداث التي تشهدها الساحة المحلية في الوقت الحالي على جميع الأصعدة، سواء السياسية أو الاقتصادية وما يتفرع منهما من مجالات، فالاقتصاد والسياسة مرتبطان بشكل عضوي، ومادام كل شيء في الكويت يتم تسييسه فكل شي هو سياسة، كما أن من الضروري التذكير بحقيقة لا خلاف حولها بأن أحداث الحاضر لها جذور ومسببات زرعت في الماضي تماما مثلما أن ما يحدث اليوم سيكون سببا لما سيقع في المستقبل، ولكل فعل رد فعل، وما لم نستوعب أسباب ما آلت إليه الأمور فلن ننجح في تصحيح الأخطاء.
حكم الجغرافيا والتاريخ
مع الرصاصة الأولى التي انطلقت في الحرب القذرة التي درات بين العراق وإيران في سبتمبر 1980 أدركنا كلنا أن تطورات أحداثها ستجر البلد – شاء أهلها أم أبوا – أن تكون طرفا في الحرب بصورة أو بأخرى، فالجبهة التي كان يتلاقى على خطها الجيشان كانت لا تبعد عن حدودنا سوى بضعة كيلومترات، وكانت الكويت العاصمة لا تبعد أكثر من 150 كيلومترا، وكنا جميعا نسمع يومياً دوي المدافع، وهناك أسباب أخرى كانت تدفع إلى أن تكون الكويت طرفا فيها فعوامل التاريخ والجغرافيا التي ساهمت في نشوء وتشكيل الكيان السياسي والاجتماعي للبلد ترتبط بصورة كبيرة بتأثير دول الجوار، ولم يكد يمر عام على بدء الحرب حتى كنا دولة تعيش مثل بلد يدخل حربا؛ تفجيرات بالداخل، خطف طائرات، حرب إعلامية، إضافة إلى وجود عدد كبير من عناصر الجيش على الحدود الشمالية أيديهم على الزناد، فيما يد كل مواطن على قلبه تحسبا من أي طارئ. ولا شك أن كل ذلك كان يفرض نفسه على تفكير متخذ القرار، ولا شك أن كل قطاعات الاقتصاد ستتأثر.
مجلس الـ25 دائرة
وفي تلك الفترة (فبراير 1981) أيضا جرت أول انتخابات برلمانية على أساس 25 دائرة، تم تفصيلها وحياكتها لتتمكن السلطة من توجيه دفة سيرها نحو الوجهة التي تريد، وعلى ذلك اتسم أسلوب اتخاذ القرار في إدارة شؤون الدولة بعنصرين أساسيين هما: سيطرة الجانب الأمني من جهة، وكسب أكبر عدد ممكن من النواب من جهة أخرى. وكما هو معروف في علم السياسة، وفي الواقع العملي أن لكل موقف ثمن، وحيث كانت الإدارة العامة للدولة في تلك الفترة ولأسباب تتعلق بكاريزمية وهيبة الشخصيات التي كانت في مواقع متقدمة في هرم السلطة والطبيعة الخدمية للأجهزة الحكومية التي كانت “ولا تزال” تتحكم وتتصل بمعظم شؤون الحياة اليومية للمواطن، فإن استقطاب النواب لم يكن صعبا، ولكن كان بفاتورة غالية ومكلفة، كانت تدفعها الحكومة من حساب الوطن ومقوماته لمن كان يطلق عليهم في تلك الفترة “نواب الخدمات” الذين كانوا يستوفونها كاملاً دون أي خصم قد تطلبه الحكومة، فكان ذلك بداية فعلية لتوقف جبري لعربة الدولة المؤسساتية التي سارت لنحو 20 عاما، وقطعت مسافة لا بأس بها “رغم الحل غير الدستوري الأول 1976-1981″.
أسلوب خاطئ في الإدارة
وحيث إن الاقتصاد ونموه، والنشاط التجاري وانتعاشه مرتبطان في الحالة الكويتية بالفكر الحر الذي ميز الكويتي عن غيره من مواطني دول الجوار إلى حد كبير، فقد أصابه ما أصابه من انتكاسة، حيث اتصفت كل القرارات الصغيرة (تبدو صغيرة ولكنها ذات تأثير كبير) التي كانت تتخذ في الأجهزة والدوائر الحكومية بارتباطها بالواسطة، فالتعيينات والترقيات والنقل والندب كانت تتم بالمحسوبية وتقوية نائب الخدمات “المرضي عنه” وتوزيع الثروة بالأسلوب الخاطئ، وليس على قاعدة الإنتاجية والكفاءة والرجل المناسب في المكان المناسب، وهي قاعدة الإنتاج السليم وركيزة التطور الاقتصادي الصحيح ومتطلبات تنمية المجتمع، فتراجع ثم انهار الجانب الأكبر من النظام العام في الأجهزة الحكومية باختفاء المسؤول القائد الذي يكون على رأس كل مجموعة من الأفراد، فصارت أية مشكلة صغيرة تتحول إلى كبيرة ثم إلى أزمة عندما لا تجد من يتصدى لها في الوقت المناسب.
موظفون صغار لا وزراء
فتأثير كارثة المناخ وتداعياتها لم يكن أقل من تأثير أي زلزال وتوابعه (لا سمح الله ) وكان يمكن تجنبها بكل سهولة لو كان هناك في الأجهزة الحكومية المعنية المسؤول القائد الذي يتصدى للمشكلة عندما تكون في بدايتها، وهنا أستشهد بمقابلة صحفية أجريتها مع المرحوم عبدالرزاق الخالد حين كان رئيسا لغرفة التجارة ونشرت بالقبس، وسألته عن رأيه في الوزراء، وما إن كان الناس يطلقون عليهم “مجرد موظفين كبار”، فأجاب رحمه الله: بل هم “موظفون صغار”.
في يوليو 1986 تكرر الحل غير الدستوري لمجلس الأمة وبنفس المشهد حيث تم أثناء العطلة الصيفية للبرلمان وبعد أن تكون الحكومة قد أشادت بتعاون السلطة التشريعية لما فيه خير البلاد والعباد والكثيرون لا يعلمون أن السبب الرئيسي للحل كان بسبب تصميم أعضاء المجلس بالتفتيش على بعض حسابات في البنك المركزي الذي كان سيكشف عن الحجم الكبير والهائل للفساد، وبعد أن أصبح الحل غير الدستوري أمرا واقعا سعت الحكومة الى التصرف بكل مقدرات البلاد دون حسيب أو رقيب وفي المقابل أصبح “تدليل المواطن” هو الهدف الذي سعت الحكومة إلى تبنيه وتحقيقه، ولا شك بأن هذا التوجه يفسد المواطن ويدمر الوطن، فليس هناك نجاح في الحياة لا للفرد ولا لأي بلد سوى بالعمل المضني الشاق، الذي يقوم على الفكر المبدع والخطط السليمة، ففي تلك الفترة أعطت السلطة توجيهاتها للوزراء وباقي قيادات الدولة بتخصيص يوم الاثنين من كل أسبوع للالتقاء بالمواطنين وتنفيذ رغباتهم في ما سمي بـ”ديوانية الوزير”، ثم أصبحت تعرف بـ”دواوين الاثنين” قبل أن تنتبه مجموعة من النواب لهذه السياسة الحكومية الهادفة لكسب ولاء المواطنين لتقوم بتحركاتها لإعادة العمل بالدستور وحشد الجماهير من خلال الالتقاء بدوانية أحد النواب كل اثنين لترتبط دواوين الاثنين بالحركة التصحيحية المطالبة بإعادة البرلمان والعمل بالدستور. واستمر وتأصل عند المواطن فكر وثقافة أن تعطيه الدولة كل شيء دون مقابل، وأن وسيلته لتحقيق رغباته هي القبيلة والطائفة، فهل سيكون هناك اقتصاد يعمل وعجلة تنمية تتحرك؟
توازنات عبدالله السالم
بنظرة سريعة وعميقة في ذات الوقت، إلى أوضاعنا من كافة جوانبها، ثم نتساءل: هل يتحمل عهد رئيس الوزراء الحالي مسؤولية القيود التي قيدت بها أقدام البلد ويديها، بالتأكيد لا، ولكن هل قامت الحكومة بفكها، بالتأكيد لا أيضا، ولكن هل حاولت، هذا السؤال تحتاج إجابته أن نقف عند مثلث التوازنات التي كان يفكر فيها المغفور له بإذن الله الزعيم الخالد الشيخ عبدالله السالم قبل الإقدام على اتخاذ أي من القرارات المصيرية والضلع الأول هو توازنات الأسرة، والثاني توازنات دول الجوار، والثالث توازنات مكونات المجتمع، فالاسرة أفرع، ولا بد من ميزان دقيق يحكم ما لهم وماعليهم، ولدول الجوار توازناتها، فهي ثلاث دول كبرى تؤثر بشكل مباشر في الداخل الكويتي، ولمكونات المجتمع الكويتي أيضا توازناتها، وبالتأكيد فإن الحكم يسعى دائما إلى أن يكون الميزان متوازنا بين تلك المكونات، وأي خلل سيصيب الاستقرار والسلم الاجتماعي بدرجة أو بأخرى، والمشكلة هي أن الشعب وأفراد الأسرة، ومنذ ما يقرب من ثلاثة عقود لا يساعدون السلطة أبدا في حفظ هذه التوازنات، ولا أدري كم يشغل هذه التوازنات فكر وذهن رئيس الوزراء، وكم يعطيها من جهده.
ولكن هل سيكون هناك اقتصاد يعمل أو عجلة تنمية تسير ما لم ينظر إلى الصورة من كل أبعادها؟!


جريدة الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك