'دنيا دوّارة'

زاوية الكتاب

بن طفلة يكتب عن جمهوريات استهدفت الملكيات بالماضي، وأصبحت اليوم تستهدفها الملكيات

كتب 3212 مشاهدات 0


'وتلك الأيام نداولها'

في مرثيته لسقوط الأندلس، قال أبو البقاء صالح بن شريف الرندي:

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ... من سرّه زمنٌ ساءته أزمان


 

هكذا هي الأيام، و'الدنيا دوّارة' كما يردد أهل الخليج، ويقول أهل مصر: 'دنيا مالهاش أمان'، وقال بيت شعر شعبي عراقي على لسان رجل مسن شارف على الرحيل بعد أن عاش الدنيا طولاً وعرضاً:
آه يا دنيا يا ما بالصبا عشناج... وهس عدّي يا دنيا لياليج وكِتْلِينا

في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، استهدف الانقلابيون العرب من العسكر بعض الأنظمة الوراثية العربية، لأنها بزعمهم رجعية ومرتبطة بالامبريالية والاستعمار، وكانت البداية بسقوط الملكية في مصر على أيدي الضباط الأحرار فيما عرف بثورة يوليو عام 1952، تلاها الانقلاب الدموي البشع على الأسرة الهاشمية التي حكمت العراق عام 1958، ثم حرب أهلية في اليمن استهدف طرفها وبمساندة مصر الناصرية الإمامة هناك حتى سقطت عام 1962، ثم جاء انقلاب معمر القذافي عام 1969 ضد حكم الملك السنوسي، واستمرت محاولات انقلابية تساندها مصر الناصرية لم تستثن أحداً من الأنظمة الوراثية تقريباً، ولكن آخر نجاح لها كان بانقلاب 'الفاتح' الذي قاده القذافي وانتهى بموته قبل أسابيع بعد حكم استمر 42 عاماً، وقد جاء موت القذافي بعد ثورة شعبية عارمة ساندها الخليجيون ثم الجامعة العربية ثم مجلس الأمن فالتدخل الدولي بقيادة أميركا والناتو، ولولاها لاستمر القذافي يفتك بشعبه حتى يومنا هذا.

انتزع الانقلابيون العسكر السلطة بشعارات الثورية والوحدة العربية ومواجهة الاستعمار وتحرير فلسطين والاشتراكية والرجعية، وتحت تلك الشعارات، صودرت الحريات، ونهبت الثروات، وانتشر الظلم، وساد القهر، وفتكت البطالة بأحلام ملايين الشباب العربي، وتكاثرت السجون، وشحّت المساكن، ورخصت الأرواح، وحكمت أسر العسكر بلداناً يفترض أنهم خلّصوها من حكم العائلات 'الفاسدة الخائنة الرجعية العميلة' ...الخ.

انقلبت الطاولة، واستدار المشهد، ودارت الأيام، وإذا بالأنظمة الوراثية -وتحديداً الخليجية منها- تنضم إلى الشعوب العربية في مواجهة استبداد الانقلابيين، فمهدوا الطريق للتدخل الأجنبي في ليبيا، وتدخلوا سلماً دون هوادة في الشأن اليمني لنقل السلطة، ويحاولون حقن الدماء العربية في سوريا، وإيجاد حل سريع لوقف مجازر نظامها ضد شعبه داخل البيت العربي قبل التدويل الذي سيخرج الأمر من أيدي العرب.

لقد فرض الوضع العربي المتلاطم بالثورات دوراً رياديّاً قياديّاً على دول الخليج، وما أجبرها على هذا الدور في هذه المرحلة هو غياب مصر القسري المؤقت، وانشغال العراق بطائفيته السياسية، وانهماك سوريا بقمع ثورتها وذبح شعبها، فقدم الخليجيون المبادرات، وتحملوا الإساءات والاتهامات، وصبروا على من اتهمهم بالتقصير، وسكتوا عمن اتهمهم بالتدخل في الشأن العربي، وترفعوا عن لغة الشوارع وشتائم مندوب سوريا في جامعة الدول العربية، وتجاهلوا لغة إعلام الأسد ومؤيديه من أبواق المساندة الإعلامية.

لقد وجدت المجموعة الخليجية نفسها في موقف 'المدان' من قبل البعض الذي 'لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب'، فإن هم تركوا الشعوب تواجه مصيرها، أتهموا باللامبالاة والانشغال بترف الدنيا والاستمتاع بثروات النفط دون اكتراث لإخوتهم العرب الذين يواجهون الإبادة على أيدي أنظمة الاستبداد، وإن هم تدخلوا اتهموا بأنهم عملاء لأميركا تحركهم متى شاءت وحسب مصالحها وضد الأنظمة التي لا تسير على هواها!

خرجت ملايين العرب في جمهوريات الاستبداد تهتف بإسقاط النظام، واستنجدت بالعرب، فلم يكن هناك إلا دول الخليج التي تحاول قدر جهدها 'إنقاذ ما يمكن إنقاذه'، فالمجتمع الدولي تحركه المصالح والحسابات...

على الجميع تعلم الدروس، وتجنب الاستبداد، فالدنيا دوّارة، 'وتلك الأيام نداولها بين الناس' -قرآن كريم.

 

 

الاتحاد-ايلاف

تعليقات

اكتب تعليقك