القبلية أسهل طريق للنجاح، برأى فهيد البصيري
زاوية الكتابكتب ديسمبر 11, 2011, 12:39 ص 1647 مشاهدات 0
الراى
د. فهيد البصيري / الديموقراطية ترسّخ القبلية!
يا أهلا بالانتخابات وسهلا، اليوم الشعب على المحك، والحكومة على المحك، والقضاء والقدر على المحك، والمعارضة على المحك، ونواب الشيكات على المحك، وأنا وأنت على المحك، ومثلما عملية الانتخاب صعبة و(مقرفة) للمرشح، فإنها كذلك محرجة ومزعجة للناخب، الذي عليه أن يختار بين كم هائل من المرشحين المعروضين ببلاش، وإفرازات الانتخابات مرآة عاكسة لطريقة تفكير المجتمع وخصائصه وميوله، «وكما تكونوا يولى عليكم» وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث في الانتخابات.
ولأننا مازلنا مجتمعات شبه بدائية فإن أكثر العوامل المؤثرة في اختيارات الناخب هي الطائفية والقبلية والمصلحة، ورغم أن النواب حاولوا القضاء على الرشوة عبر توسيع الدوائر وجعلها خمساً بدلا من خمسة وعشرين، إلا أن الرشوة انتقلت من جيب الناخب إلى جيب النائب! وصارت الرشوة أدهى وأمر.
والمجتمع الكويتي مثله مثل المجتمعات العربية الأصيلة يتقدم للوراء، فقد رحبنا بالطائفية واحتفلنا بالقبلية، والبركة في الإعلام المحلي ووزارة التربية، والمحاولة البائسة لمحاربة القبلية عبر تشريع قانون لتجريم الانتخابات الفرعية، ليست سوى محاولة فاشلة ولن يكتب لها النجاح ولا حتى النجاة بجلدها. فالمجتمعات خصوصا المجتمعات الشرقية يحكمها نوعان من القوانين، وهي القوانين الجزائية أي تلك التي تشرعها الدولة، والقوانين الاجتماعية والتي تمثل العادات والتقاليد وهي أشد تأثيراً وفاعلية من القوانين الجزائية، أما لماذا العادات والتقاليد أقوى فهذا لأنها جاءت بفعل الدهور وسكنت في العقل الباطن للأجيال، ولا يمكن تغييرها بالقوانين الطارئة، مثلما لا يمكنك منع المجتمع اليمني من حمل السلاح في الشارع رغم مخالفته لجميع القوانين في العالم، ومثلما لا يمكنك إزعاج بقرة نائمة في الشارع في الهند رغم أنها تشكل خطرا على المرور! ومجتمعات الجزيرة العربية مجتمعات قبلية حديثة التمدن، وللأسف وبدلا من الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة في التقليل من حدة هذه القبلية فإننا استخدمناها لتأصيل القبلية، فكل قبيلة وكل فرع أو عائلة أصبح لديها منتدى خاص يحكى عراقتها وبطولاتها على صفحات «جوجل» المسكين... لقد عولمنا القبلية.
ومحاولة محاربة القبلية بالقانون محاولة غبية، ومحاولة لن تجلب سوى مشاكل أكبر من القبلية. وفي السنوات السابقة حاول المسكين وزير الداخلية الأسبق منع الانتخابات الفرعية بالقوة، وحدثت صدامات ما كان لها أن تحدث لولا هذا القانون الغبي، وبدلا من تفتيت القبلية أعدنا بناءها من جديد وعلى أسس متينة، فالقبلية كالدين أداة يمكن استغلالها لأغراض سياسية، والطريف أنه لولا الانتخابات لانتهت القبلية، ويا سبحان الله أصبحت الديموقراطية ترسخ القبلية (أليست حكم الأغلبية)!
ولا أحد يريد القبلية ولكن الجميع مكرهون على ممارستها لأنها أسهل طريق للنجاح في ظل الديموقراطية! ولأن القبيلة ما هي إلا (عشيرتك الأقربين).
ومحاربة القبلية لا تفيد معها التشريعات التي يبتكرها القانونيون مع (شاي الضحى)، فالقبلية انتماء، ورابطة دم، وشعور، وممارسة اجتماعية يومية، وإرث اجتماعي خلقته السنون ولا تمحوه إلا السنون، وبدلا من الاصطدام مع هذا الإرث المتغلغل يجب السير بموازاته وتوظيفه للمصلحة العامة، ويجب ألا نجعل الولاء للقبيلة ندا للولاء للوطن، فهما مفهومان لا يتناقضان، والأمر هنا بسيط فلا قبيلة بلا وطن، والخلل الذي نشاهده اليوم هو نتيجة التشريعات التي لم تراع طبيعة مكونات المجتمع الكويتي، وربما أراد بعض أصحاب فكرة الدوائر الخمس بشكلها الحالي اللعب على وتر القبلية والطائفية لاعتقاده أن إفرازاتها دائما حكومية، فثبت العكس!
وما يمكن عمله اليوم وبصورة عاجلة هو إلغاء قانون تجريم الانتخابات الفرعية لأن مضاره وتبعاته أكثر من منافعه، كما أنه يخالف فلسفة القانون، حيث ان الأصل في وضع القانون أنه يمكن تطبيقه، وفي حالة القانون السابق لا يمكن تطبيقه، وفي المقابل يجب أن يعاد تقسيم الدوائر، وتقنين عدد الأصوات، ودراسة سيناريو كل فكرة قبل تطبيقها، وفي خط موازٍ يجب أن تقوم الدولة بدورها عبر، وزارتي التربية والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني بغرس مفاهيم الوطنية ونبذ التفكير الفئوي بكل أشكاله الطائفية والقبلية، وبالطبع لن نحصد نتائج هذا النهج التربوي اليوم ولكن بعد سنوات، وعموما الأوطان أطول عمرا من الإنسان.
د. فهيد البصيري
تعليقات