الفرعيات أو التشاوريات ستظل «شرعية» في عقول وعواطف أبناء القبائل، برأى حامد الحمود
زاوية الكتابكتب يناير 9, 2012, 12:53 ص 827 مشاهدات 0
القبس
لماذا يطيب لنا العزف على وتر العائلة والقبيلة؟
كتب حامد الحمود :
لا أعلم ماذا يقصد النائب السابق والمرشح الحالي عن الدائرة الرابعة مبارك الخرينج في دعوته لأبناء قبيلة الرشايدة للمشاركة في «التشاورية»، وأن عدم المشاركة وعدم الالتزام بنتائجها سيوقعانا في فخ «كنا». هل يقصد مثلا أن عدم المشاركة والالتزام سيجعل أبناء القبيلة يذرفون الدموع لحلول نقص في عدد النواب الرشايدة، «كنا» ثلاثة مثلا فأصبحنا اثنين. وإن ذلك سيحول فخر القبيلة الى جزءا من الماضي. وأن مشاعرهم ستتماثل مع مشاعر شاعر قبيلة تغلب الذي ردد قبل الإسلام أنه «كنا» قد:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وظهر البحر نملأه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
ولكن ليطمئن النائب السابق والمرشح الحالي، فإن كاتب هذه السطور يؤيده في إجراء «التشاوريات» أو «الفرعيات»، وإن كان ذلك لأغراض مختلفة. وذلك لأن منعها لا يؤدي إلى منعها. بمعنى أن منعها بسبب أن إجراءها أصبح غير قانوني لا يؤدي إلى تغيير القناعات من تفضيل ابن القبيلة. فذلك لا يتم أو لا يتشكل في الأذهان بمنع الفرعيات من قبل وزارة الداخلية.
فهل هناك طرق أفضل لتغيير القناعات؟ والخلاف هنا على تحديد ماذا نقصد بكلمة «أفضل». فهل «الأفضل» هو ذلك النائب الذي يحقق تطلعات أبناء القبيلة، أو الطائفة أو العائلة، أم هو ذلك الذي ينتمي إلى الكويت ويمثل الوطن ككل. والإجابة عن تساؤل من هو أفضل هذا، يعتمد على عوامل اجتماعية معقدة تشكل في النهاية مستوى الوعي لدى هذا الناخب الذي سيجيب عن هذا التساؤل.
هذا وأرى أن هناك مبالغة في الوصول إلى نتائج أو أحكام متحيزة تحصر الى حد كبير تدني مستوى الوعي بهؤلاء المشاركين في الفرعيات من أبناء القبائل. فهؤلاء المشاركون في الفرعيات ليسوا هم أقل وعيا من هؤلاء الذين يصوتون في الانتخابات في مناطق مثل الشويخ أو العديلية لمرشح أو مرشحة يختلفون معه أو معها في الرؤى والقناعات والسلوكيات لمجرد أنه ينتمي إلى العائلة الكبيرة نفسها التي امتدت لتصبح شبه عشيرة احيانا. والانتقال من مرشح العائلة أو القبيلة إلى مرشح الوطن عملية اجتماعية ليست بالبسيطة. فنحن هنا نتحدث عن مستوى الوعي لدى الفرد والذي تشكله عوامل مثل درجة التعليم، ومستوى الدخل والبيئة التي نشأ فيها الفرد. وهذه الأخيرة، وفي الكويت ككل، تميل إلى تربية فرد مثقل بالمورايث الذهنية العائلية والطائفية والقبلية. والخروج منها لا يتم إلا بضغوطات تهزم العائلة أو القبيلة أو الطائفه كوعاء سياسي. وفي هذا المجال لنأخذ مثلا حالة النائب السابق عصام الدبوس الذي وضع إعلانا مدفوعا على الصفحات الأولى في أكثر من صحيفة يعلل فيها أسباب عدم ترشيحه أو عدم خوضه الانتخابات. فقد أظهر الإعلان وعيا بالانتماء الوطني لمرشح طالما اعتمد سابقا على وزن عائلته العددي والاقتصادي والمعنوي. فقد قرأنا في الإعلان عبارات جذابة قد نختلف معها لكني اعتبرها عبارات مفكرا بها مثل:
مسؤولية
«أحمل كمواطن كويتي المسؤولية للجميع وعلى رأسهم مؤسسة بيت الحكم التي أدعوها لتمارس وبفاعلية دورها المرجعي، كما أدعو حكماء الكويت لميثاق حسن نوايا تتم من خلاله كتابة دستور جديد للبلاد تحدد فيه هويتنا الديموقراطية لا أن تظل حالة هجينة بين نظامين ديموقراطيين هما الرئاسي والبرلماني وفي أضعف الاحتمالات أدعو لقراءة الدستور بطريقة جديدة تحقق تطلعات آبائنا وطموحات أبنائنا. وإننا أمام فرصة تاريخية استثنائية لأن نتخذ قرار التغيير الواعي، وأن نكتب بأيدينا اليوم ما يمكن أن يفرض علينا غدا».
ما هذا الذي جعل النائب السابق عصام الدبوس يدعو إلى تغيير جذري في مفهومنا للديموقراطية، ويدعو إلى تجديده؟ هل كان سيظهر مثل هذه القناعات لو أن الدوائر كانت 25 دائرة انتخابية تجعل من الفحيحيل وحدها دائرة انتخابية واحدة؟ بالطبع فإن الجواب سيكون: لا. بل وربما كان سيدعو لانتخابات فرعية ضمن عائلته. لكن الظروف الموضوعية هي التي جعلته يتخلى عن «وعي» إلى «وعي» آخر. وفي حالته وحسب ما ورد في نص اعلانه، أصبح ينتمي إلى الكويت بعد أن كان سينتمي الى الفحيحيل في حالة 25 دائرة انتخابية، لان العصبية القبلية هزمت العصبية العائلية. فقبيلتا العوازم والعجمان اللتان تهيمنان على الدائرة الخامسة، قللتا من الوزن النسبي لمدينة الفحيحيل التي كان سيعتمد عليها النائب السابق عصام الدبوس. ولكن هذا لا يعني تراجعا للقيم المدنية أمام القيم الصحراوية. فالقيم مشتركة والعادات والسلوك قريبة إلى بعضها ان لم تكن متطابقة. وأبناء القبائل لا يركبون الجمال، بل هم موظفون وتجار صغار وكبار ومهندسون وأطباء، كما هم كذلك أبناء مدينة الفحيحيل. لكنهم في اللحظة التاريخية الحالية، لم يجدوا وعاء يلتفون حوله أفضل من وعاء القبيلة. ففرسانهم يساعدونهم في الحصول على الوظائف، والترقيات، ويعطونهم الأفضلية للعلاج في الخارج. ومادام هذا الوعاء مفيدا سيفضلون فرسانهم على الآخرين. وتظل الفرعيات أو التشاوريات كما سماها النائب السابق والمرشح الحالي مبارك الخرينج «شرعية» في عقول وعواطف أبناء القبائل.
انتقال
إن الانتقال من مستوى إلى مستوى آخر في التفكير أو الوعي والذي نفترضه أعلى في حوارنا هذا، لا يأتي دون أسباب موضوعية والتي تشمل تغيرات في البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وهي التي تدعو أو يعمل على تغيير الإرث التاريخي لمفهوم الفرد لمجموعة القيم. هل الولاء مثلا للقبيلة أو الوطن. أو هل القبيلة أو العائلة هي الوعاء الأنسب للوصول إلى مبتغى الفرد ضمن هذا الوطن. فكما شرحنا أن النائب السابق عصام الدبوس وعلى ما ورد في خطابه ضمن إعلانه انتقل إلى خطاب المواطنين ككل. حاول أن يتخطى حدود العائلة والقبيلة والمنطقة إلى الدائرة الأوسع. وأنا هنا لا أتحدث عن نواياه ولا عما يكتنزه عقله وعواطفه من قناعات وإنما عن خطابه المعلن الذي شكلته ظروف موضوعية حددتها بهزيمة عصبية العائلة على يد عصبية القبيلة. وفي حالة مشابهة، كان هو كذلك ترشيح المحامية ذكرى الرشيدي. فان هناك ظروفا موضوعية دفعتها إلى الترشيح بالرغم من «تشاورية» قبيلة الرشايدة التي دعا الخرينج إلى التمسك بها. فذكرى هي امرأة في مجتمع محافظ يقوده الرجال. وتنتمي إلى قبيلة لها «تشاورياتها» التي يشارك فيها الرجال فقط. والنساء ليسوا بأقل عدد، لا في القبيلة ولا في الكويت. لكنهم أقل تأثيرا. لذا كان تجاوزها لمنظومة قيم القبيلة التي دعا إليها الخرينج أمرا متوقعا لامرأة متعلمة وطموحه. وسنجد مستقبلا تجاوزا لهذه «الفرعيات» من قبل رجال كذلك. فهناك دلائل على أن الفائزين في هذه «الفرعيات» ليسوا هم الأكثر علما أو تجربة أو أقدر حتى على تمثيل القبيلة. إنما يتم اختيارهم لوجود عصبية النسب ضمن القبيلة الواحدة. وهو أمر لا يقتصر على الرشايدة أو العتبان أو مطير. بل أن تاريخنا الإسلامي كله تشكل بسبب النزاع ضمن القبيلة الواحدة. وإلى حد كبير ما كان الانقسام والحروب بين المسلمين ومن ظهور الدعوة إلى الآن إلا تنافس بين فرعي أمية وبني هاشم ضمن قبيلة قريش. وهذا ما كان في بال ابن خلدون عندما كتب في مقدمته:
«أعلم أن كل حي أو بطن من القبائل وإن كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التماما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت واحد».
والتمرد أو الجدل داخل القبيلة هو أكثر كفاءة بالتأكيد على تجاوز الولاء أو العصبية القبلية التي ما فتئت تهدم القيم والأهداف التي تصبو العملية الديموقراطية من تحقيقها. وهذا بالتأكيد هو المسار الذي سيهزم أو يلغي الانتخابات الفرعية بتحويلها إلى أداة غير فعالة لترشيح الطموحين في العمل السياسي.فالوعي الداخلي الذي سينتج من تناقضات تتولد داخل القبيلة هو الذي سيلغي الفرعيات لا وزارة الداخلية.
تضخم
الأمر الآخر الذي لابد أن نعرج عليه لتفهم ما حدث من تضخم للعصبيات الطائفية والعائلية والقبلية في الكويت كان لعوامل سياسية خارجية. فكارثة الغزو العراقي والمعاناة التي مر بها الكويتيون أدت إلى انكفاء الكويتيين نحو الداخل وتراجع اهتمامهم بالخارج. وقد ساهم الإعلام المرئي والمكتوب في تشكيل شخصية اهتماماتها محصورة بالقضايا المحلية. وقد وصل الحد إلى قناعات لدى القائمين على الإعلام المرئي والمكتوب بأنه لكي تحقق نجاحات أو مبيعات فما عليه إلا أن يحفر في الشأن المحلي.فالأعلام لدينا كأنما ينفذ أمرا ينادي «أثرهم طائفيا وقبليا ومحليا» لكي تحقق أرباحا. فحتى الصحافة الرصينة أدركت أنها لكي تبقى هي كمؤسسة ربحية، لا بد أن تخضع للأمر الواقع، منحنية أحيانا إلى تفاهات محلية، مقابل أمور وقضايا خارجية تهم مستقبل الكويت والمنطقة.
حتى أبطالنا السياسيين أصبحوا أبطالا مغرقين في محليتهم. فقد كان أبطالنا يحملون بعدا عربيا وإنسانيا أمثال المرحومين عبد العزيز الصقر وسامي المنيس وأحمد الربعي. أما الأحياء منهم أمثال د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي فأصبحوا أقل تأثيرا.ومن المحزن أن يخسر في الانتخابات السابقة شخصية مثل عبدالله النيباري لمنافسين نجحوا لأسباب لم نكن نتوقعها أن تحدث في العمل السياسي في الكويت. وأبطالنا الحاليين مغرقين في محليتهم حتى أرى أن النائب السابق والمرشح الحالي مسلم البراك وبالرغم من الربيع العربي سيواجه مصاعب في تجاوز رؤية دول الضد ان أراد ذلك. والنائب السابق والمرشح الحالي أحمد السعدون لم يجد جوابا على تساؤل حول رأيه بخطاب خادم الحرمين حول وحدة مجلس التعاون أفضل من التعبير عن خشيته على الديموقراطية الكويتية. وكأن الوحدة الخليجية هي بالضرورة ستهدد الديموقراطية الكويتية.
تدني الوعي
أتمنى لو كانت مشكلتنا في الانتخابات الفرعية، فالمشكلة تكمن في أن هذه الانتخابات ليست سببا لتدني الوعي، وإنما مجرد مظهر له. هناك عصبية قبلية لكن هناك عصبيات مقنعة أخرى تقابلها في مناطق أخرى. فالعصبية التي نجدها في مناطق مثل الدعية والعديلية والشويخ ليست بأرقى من عصبيات في مناطق مثل العميرية والجهراء وأم الهيمان. والوعي الإنساني لا يقبل الانقسام.فهناك أزمه في تشكل وعينا تتعدى السياسي الى الاجتماعي والانساني. فما أعجب إلا من «واعيا» لايمر العدل قرب ضميره. ولا استغرب الا من «ليبراليا» لا يتحسس عذابات «البدون». وما يصدمني الا متدين ينام معظم النهار و لا يستشعر ظمأ العامل المصري والهندي في مواقع البناء في شهر رمضان. فما بالك بذلك الشرطي الذي يقبض على عامل غير مسلم لأنه تناول رشفة ماء في عز الظهيرة. وليعذرني القاريء ان اعتقد اني تجاوزت الموضوع وشتت افكاره.
إن الانتقال من فخر عمرو بن كلثوم بوليد قبيلة تغلب الذي تخر له الجبابرة ساجدينا إلى آفاق وهموم المتنبي حيث يقول:
أفاضل الناس أغراض لذا الزمن
يخلو من الهم أخلاهم من الفطن
يمر بمسارات متعددة لا أزعم بالتحديد كيفية تلمسها.ولكن اعتقد ان الانطلاقة نحو افق عربي واسلامي وانساني أوسع سيعرفنا بأنفسنا افضل.ولا شك ان ذلك يحتاج إلى تغيير النفوس. وسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: «إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفس.ه.م» (سورة الرعد - 15). وتغيير النفوس لا يأتي من السماء وانما بمنهجيه تدفع لهذا التغيير.و ألا لن يكون هناك إيداعات مليونية، مليارية. ولكن لن نسمع عنها ولن تنشرها الصحافة. فكفاءة الراشي وحذاقة المرتشي ستتطور وتتجدد. و لكي يطيب لنا نغم الوطن ونعزف عن العزف على وتر القبيلة والعائلة علينا أن نتعلم أن نطرب للحن الجميل، وقد نستحسن عازفه.
د. حامد الحمود
تعليقات