ذعار الرشيدي يُصحح الصورة السلبية عن الأوضاع في مصر الثورة

زاوية الكتاب

كتب 1290 مشاهدات 0


 


الأنباء


 
«وداعاً.. بونابارت» يا مصر

«مصر تحترق»، «لا يوجد أمن ولا أمان»، «مصر ليست مصر التي تعرفونها»، «مصر لم تعد أم الدنيا ولا حاضنة الغرباء، بل أرملة ثكلى تحمل أطفالها على متنها تفر بهم من جحيم نيران الموت»، «مجنون أنت تريد الذهاب إلى مصر في هذه الظروف المخيفة»، كل هذه الجمل التي لا تمت إلى الواقع بصلة إما سمعتها من زملاء وأصدقاء مصريين أو حتى كويتيين، ولا ألومهم فالقنوات الإعلامية لم تقصر وأحرقت صورة مصر في عيوننا، شوهت شوارعها وجعلتها أشبه بشوارع كابول وربما بالغت بعض القنوات وحتى الصحف المصرية لم تقصر ونقلت لنا صورة شؤم عن مصر.
سافرت إلى مصر، ووجدت أنها لاتزال شابة يافعة كل ما في الأمر أنها تعاني من طفح جلدي بسيط أعلى كتفها نتيجة الآثار الجانبية للثورة والأيام كفيلة بمعالجته، دخلت المطار وكان هو ذاته المطار الذي دخلته قادما من الكويت يوم 10 يناير 2010 عندما زرتها العام الماضي في مثل هذه الأيام، الناس هم الناس ضباط الجوازات ذاتهم، مفتشو الجمارك هم أنفسهم لم يتغيروا ولم تتغير نظراتهم ولا ابتسامتهم عندما يسألونك على طريقة المفتش كورومبو «ها معاك حاجة»، سائق تاكسي المطار هو ذاته والتسعيرة لاتزال هي ذاتها منذ 10 سنوات 50 جنيها وجملة «الحمد لله على السلامة نورت مصر».

الشوارع من المطار مرورا بالنزهة ووسط البلد وحتى فندق ماريوت الزمالك، السيارات ذاتها والبشر بداخلها أعتقد أنهم ذاتهم وكأنني ممثل قدر له أن يعيد تصوير المشهد ذاته لضرورة إخراجية، ورجال الأمن كانوا هناك متمركزين بشكل أكثر من طبيعي، عامل حجز الفندق كان طبيعيا وكذلك «الكونسيرج» والنزلاء والعالم والبشر والمحلات والنظرات والابتسامات والجري الصباحي وراء لقمة العيش المئات بل الآلاف يقفون بانتظار عبور الشارع صباحا، والتعامل واللهجة المصرية الجميلة والمطاعم والأسواق والمحلات والسيارات والزحمة وضجيج «الكلاكسات» ونداءات الباعة كلها كانت ذاتها. بعد مروري على كل هذا لأكثر من 8 ساعات استوقفت صديقي مالك أحمد وسألته وأين الحرائق والقتل والنهب والمظاهرات والشحن الطائفي والتشنج السياسي؟ أين الجيش؟ ضحك وقال: «القلق كله هناك في ميدان التحرير وكام ميدان تاني ما تاخدش في بالك».

الإعلام اختزل صورة مصر بعد الثورة في قمقم من السوداوية، حتى الإعلام المصري لم يقصر وشارك في حبس صورة مصر في ذلك القمقم، نعم هناك خلل أمني وهناك اختلال سياسي واضح، ولكن مصر لم تزل كما هي مصر قبل الثورة، ولأنني تركت السياسة وكتابها وتوقفت عن متابعة الأخبار و«القلق» رأيت النصف المملوء في كأس مصر، بينما الإعلام والقنوات لا يريد لنا أن نرى سوى النصف الفارغ من الكأس و«فلقونا» به.

مصر لاتزال بخير، ولهذه البلد كما أعرف تاريخيا قدرة على أن تحول انكساراتها إلى جمال، وهزائمها إلى انتصار، مصر التي أوقفت مد التتار في عز أزمة حكم، مصر التي جعلت نامليار يصبح «عبدالله» ويدخل في حلقة ذكر على الطريقة الرفاعية كما نقل الراحل يوسف شاهين في فيلمه «وداعا بونابارت»، مصر لن يؤثر فيها اهتزاز تغير حكم داخلي، وكما رأيت ولمست وشاهدت بعيدا عن نظارات الإعلام السوداء فتاة حسناء سمراء جميلة تتلحف بالنيل وتمد أذرعها للجميع، وكما قالت قبل أكثر من 300 سنة لنامليار بونابرات «وداعا» ستقول إن عاجلا أم آجلا «وداعا المجلس العسكري»، وستعود إلى مدنيتها وتمدنها الذي نعرفه وتنهض من جديد بعد أن تتعافى وستتعافى.

 

 

تعليقات

اكتب تعليقك