كتاب يبشر ببداية المرحلة الثانية من العولمة ويحذر من تداعياتها الجامحة

الاقتصاد الآن

568 مشاهدات 0

العولمة

ادرك المتخصصون في السياسة والاقتصاد ان العولمة ترسخت خلال ثلاثة عقود في المسيرة الانسانية بشكل غير عادي ما ادى الى جعلها قدرا محتوما لا مفر منه.
ودفعت تلك الحقيقة خبراء السياسة والاقتصاد الى اقتفاء آثار العولمة ومتابعة التغيرات التي احدثتها في محاولة لاستشراف آفاق مستقبل هذا العالم المعولم.
ومن هذا المنطلق ظهرت كتب متعددة رصد بعض منها الظاهرة والتغيرات المصاحبة لها وركز بعض اخر على السلبيات بحثا عن علاج فيما اهتمت مجموعة ثالثة بالتعاطي مع الامر الواقع بالحقائق والارقام لرصد حسابات الربح والخسارة في محاولة للاستفادة من تجارب الماضي.
ومن بين تلك المجموعة ظهر كتاب (الموجة الثانية من العولمة) لمؤلفيه السويسريين عالم الاقتصاد السفير شتيفان فلوكيغر والباحثة الاقتصادية مارتينا شفاب اذ اكدا فيه 'ان العالم يقف على عتبات المرحلة الثانية من العولمة' محذرين من 'ان استمرار الامر مثلما سار يؤدي الى كارثة'.
واستدل المؤلفان في توقعاتهما بحقائق وبيانات موثقة موضحين 'ان التغيير قاد الى صعوبة مشتركة يشعر بها كل من رجل الاقتصاد والسياسي والرأي العام سواء كان في الشمال او في الجنوب في تعاملهم مع تلك العولمة الجامحة'.
واكد الكتاب بعد استعراض عشرات الاحصائيات 'وجود مشكلة حقيقية في الوصول الى عولمة عادلة تحقق النمو المستدام عالميا بشكل متجانس وتنهي الصراعات والنزاعات'. وتميز برصد دقيق لدور 'العولمة الجامحة في تحولات موازين القوى الاقتصادية من الغرب الى الشرق وهجرة الشركات الكبرى بحثا عن اقل مناطق الانتاج كلفة او اكبر مناطق التوزيع الاستهلاكي وظهور خلل في توازن التركيبة السكانية بين الشمال والجنوب'.
ورأى ان 'المرحلة الاولى من العولمة اوصلت الدول الناشئة في الجنوب الى مكانة اقتصادية عالمية غير عادية في مقابل ضياع هيمنة الدول الصناعية الكبرى'.
واشار الكتاب الى تميز المرحلة الاولى من العولمة في 'ايجاد ملياري نسمة هي التي تحرك معايير الاستهلاك والقوى الشرائية في العالم تتركز في الدول التي تمكنت من تطوير انظمتها الاقتصادية والاستفادة من المرحلة الاولى من العولمة'.
واضاف ان 'العولمة الجامحة ادت الى خلل في التركيبة السكانية بين الشمال والجنوب مقارنة بين معدلات المواليد في الدول التي كانت صاحبة الريادة الاقتصادية في العالم عام 1980'.
وذكر الكتاب ان متوسط معدل الانجاب في دول مثل سويسرا وايطاليا والولايات المتحدة الامريكية واليابان وكوريا بلغ بين طفل وطفلين بينما كانت معدلات المواليد في الفترة ذاتها في دول مثل الصين والهند والبرازيل وتركيا تتراوح بين ثلاثة وخمسة اطفال.
وربط المؤلفان بين تلك النسب ومعدلات الناتج القومي الخام لافتين الى ان ضغط العولمة ادى الى تقليص نسب المواليد لعدم تفرغ المرأة لرعاية الاسرة والزج بها في الحقل الانتاجي.
واوضحا ان نتاج المرحلة الاولى من العولمة افضى الى عالم نصفه الشمالي من كبار السن غير القادرين على العمل والانتاج بينما نصفه الجنوبي يعج بالشباب.
وبين الكتاب ان من سمات المرحلة الثانية من العولمة 'تفوق الهند والصين في تعداد سكان العالم مع حلول عام 2025 كما سيتضاعف تعداد سكان القارة الافريقية ليمثل سكانها نحو 20 في المئة من سكان العالم مع حلول عام 2050'.
وتوقع ان المرحلة الثانية ستشهد هجرة متزايدة من افريقيا الى اوروبا في مقابل استقطاب دول شمال القارة الامريكية واستراليا للكفاءات البشرية المتميزة في كافة المجالات.
وشدد على ان 'التعليم الجيد وتنمية المهارات والاستفادة الصحيحة من القدرات المتاحة هي اهم ما اسفرت عنه المرحلة الاولى من العولمة وان الدول التي ادركت هذه الحقيقة مبكرا هي التي ستتمكن من الاستفادة من ثمار المرحلة الثانية من العولمة'.
في الوقت ذاته ادى التغير في سوق العمل وتفاوت الكفاءات المهنية في ظهور فجوة في الرواتب والاجور تعاني منها دول الشمال بشكل خاص مع انتشار البطالة بين سكانها وتهاتف الشركات الدولية الكبرى على استقطاب ابرز الكفاءات.
واكد الكتاب انه 'بعدما كانت كلمة الديون ملازمة لاقتصادات دول الجنوب ظهر الجيل الثاني من العولمة ومعه دول اوروبية صناعية كبرى مثقلة بالديون السيادية التي فاقت كافة التصورات'.
ومن سمات المرحلة الثانية 'ظهور موجة جادة لجدولة الديون الاوروبية المتثاقلة واعادة هيكلة المؤسسات المالية الاوروبية التي تسببت في الازمة المالية العالمية او التي تضررت منها ما سيستغرق سنوات حتى تتضح المعالم الجديدة لتلك المؤسسات'.
في الوقت ذاته توقع الكتاب ان تؤدي عمليات اعادة الهيكلة وجدولة الديون الى ظهور موجة تقشف حادة ستضعف من امكانات الدول الاوروبية في دعم مساراتها الاقتصادية الرامية الى مزيد من النمو متوقعا ركودا وبطالة وتضخما في بعض تلك الدول.
كما سيتقاسم العالم تبعات التغيرات المناخية السلبية نتيجة انتشار انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون شمالا وجنوبا باعتبار ان الشمال هو المتسبب في زيادة تلك الانبعاثات بسبب فلسفته الاستهلاكية.
واتفق المؤلفان في نهاية الكتاب على بقاء مستقبل الموجة الثانية من العولمة غامضا تماما اذ يعتمد المستقبل على اتخاذ القرار السياسي المناسب مع المعطيات التي اسفرت عنها 30 عاما من العولمة للعودة الى جادة الصواب.
وشددا على اهمية عدم التقاعس والاستفادة من اخطاء الماضي والتعامل برؤية منطقية في وضع خطط المستقبل على المديين المتوسط والبعيد.
يذكر ان الكتاب كسب اهميته بسبب حرصه على الاستعانة بالرسومات البيانية والاحصائيات والمراجع الرسمية التي دعمت مصداقيته وتصلح ايضا للاستعانة بها في التحليلات الاقتصادية والتوجهات السياسية سواء لدول الشمال والجنوب

 

الآن:كونا

تعليقات

اكتب تعليقك