المستثمرون في الأسهم يتقلبون بين الخوف والرجاء.. بقلم جون أوثرز
الاقتصاد الآنفبراير 28, 2012, 3:12 م 1023 مشاهدات 0
اسجلت أسواق الأسهم في الأسبوع الماضي مستويات عليا جديدة في مرحلة ما بعد الأزمة المالية. وحدثت استثارة هائلة وفجأة امتلأت دفاتر ملاحظات الوسطاء الماليين بتوقعات مفادها بأن من الممكن أن ''تندفع الأسهم'' وتستعيد ذرى كانت سائدة قبل تشرين الأول (أكتوبر) 2007، أي قبل أن تتفجر أزمة الانقباض الائتماني وانهيار السوق. وكثير من المحللين الذين كانوا في مطلع العام يتوقعون تراجع الأسعار يعملون الآن على تعديل توقعاتهم نحو الأعلى.
هذه الاستثارة وهذا الصعود لهما دلالات. فالأسواق تتحرك بفعل قوة أطلق عليها كينز ''عنفوان الحياة الصحية'' وإذا كانت هذه الحياة في حالة تحسن، فإن مضامين ذلك بالنسبة للأسواق تكون إيجابية بطبيعة الحال. لكن في نهاية المطاف، هل من أهمية خاصة لهذه النقطة الفاصلة الجديدة؟ الجواب هو لا. في الواقع، وحتى أكون واضحاً، أجد من الركيك حتى أن نقول أصلاً إن الأسهم سجلت ارتفاعات بعد الأزمة.
بالتالي ما هو بالضبط الأمر الذي يبعث الإثارة لدى كُتاب العناوين الرئيسية؟ مؤشر داو جونز للشركات الصناعية سجل بالفعل مستوى عالياً في مرحلة ما بعد الأزمة، ذلك أنه يلامس المستوى المفصلي البالغ 13000 نقطة، وهو مستوى يقع على بعد 10 في المائة من أعلى مستوى سجله المؤشر في تاريخه. وهو أشهر مؤشر على وجه الأرض ويتمتع بتاريخ طويل، لكنه، وهذا استثناء مهم، لا يشتمل إلا على أسهم 30 شركة. كما أن منهجيته تتسم بالقصور والخلل وأهل الاختصاص لا يكادون يستخدمونه. أما مؤشر ستاندار آند بورز 500، الذي يشتمل على عدد من الشركات ذات القيمة الأعظم كثيراً من مؤشر داو جونز، فإنه يظل أدنى قليلاً من المستوى العالي الذي سجله في مرحلة ما بعد الأزمة. علينا ألا ننسى كذلك أن أسواق الأسهم غالبا ما يُنظَر إليها من خلال العدستين المشوهتين اللتين هما الولايات المتحدة وعملتها؛ الدولار. الأسهم العالمية بصورة إجمالية، عند قياسها بمؤشر فاينانشيال تايمز لعموم الأسهم العالمية، لا تزال أدنى بنسبة 7.5 في المائة عن مستوياتها العليا التي سجلتها قبل انهيار بنك ليمان براذرز، وهو المستوى الذي سجلته في الربيع الماضي، ولا تزال أدنى بنسبة 22 في المائة عن أعلى معدل سجلته في تاريخها. وأداء الأسهم الأمريكية منذ الذروة كان من الناحية العملية أفضل من جميع المؤشرات الرئيسية في مختلف أنحاء العالم. وهذا بدوره يعود إلى حد كبير إلى ضعف العملة الأمريكية. وكان أكبر عامل في تراجع العملة هو السياسات الحازمة التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي فيما يخص تسهيل الحصول على المال. وحين نقيس أداء الأسهم العالمية بمقياس الذهب الذي يعتبر (على خلاف في وجهات النظر) العملة ''الصعبة'' للعالم، نجد أنها تراجعت بنسبة 65 في المائة عن مستوى الذروة. وهي لا تكاد ترقى إلى ما فوق المستويات الدنيا التي سجلتها في ربيع عام 2009. وبالنسبة إلى أولئك الذين يعترضون على أنه لا يمكن استعمال الذهب عملة عملية، ينبغي أن يلاحظوا أن الأسهم العالمية تراجعت بنسبة 40 في المائة تقريباً عند قياسها بالفرنك السويسري، وبنسبة 47 في المائة عند قياسها بالين الياباني. وتشير هذه الأرقام إلى مدى عمق المأزق. ويعود جزء كبير من الانتعاش الاقتصادي إلى ''وهم المال'' الذي نشأ بفعل تراجع الدولار. لكن الانتعاش الاقتصادي استطاع مع ذلك إنتاج أرباح جيدة لأولئك الذي توقعوا حدوثه. وارتفعت الأسهم العالمية بنسبة 25 في المائة تقريباً منذ المستوى المتدني الذي سجلته في تشرين الأول (أكتوبر) من السنة الماضية. فما الذي يكمن وراء ذلك؟ ما يدعو إلى الأسى هو أن جزءاً كبيراً من ذلك يعود إلى القرارات التي تؤدي إلى إضعاف العملات. إن إعطاء سبب لتحركات السوق هو دائماً أمر مثير للجدل والخلاف. فهناك خطر من الوقوع في مغالطة الحكايات – بمعنى أن نجعل الأرقام تناسب حكاية سابقة موجودة في الذهن. لكن المحرك الرئيسي وراء هذا الاندفاع يبدو وكأنه قرار البنك المركزي الأوروبي في كانون الأول (ديسمبر) إعطاء قروض طويلة الأجل إلى البنوك الأوروبية بشروط في غاية السخاء. فبعد مرحلة من الارتياب الأولي، يتصور الناس الآن أن قرار البنك أدى إلى تقليص حاد في إمكانية أن تتحول أزمة السندات السيادية في منطقة اليورو إلى انهيار في قطاع البنوك. وتتضمن المؤثرات الأخرى ارتفاعا ملحوظا في البيانات الاقتصادية الأمريكية – رغم أن المؤشرات الرئيسية، مثل استبيانات معهد إدارة الطلب، تظل أدنى بنسبة لا يستهان بها عما كانت عليه في الربيع الماضي – ما أدى إلى توسيع الميزانيات العمومية للبنك المركزي الياباني وبنك إنجلترا وكذلك إلى التسهيل الكمي في الصين. وما يدعو إلى الأسف أن كل هذا ينسجم في إطار أظهر نفسه مرتين منذ أن وهن الاندفاع الأولي في أعقاب انهيار بنك ليمان في أوائل عام 2010. وكانت الأسهم تتراجع في كل مرة تبدو فيها المخاطر المنهجية في حالة ارتفاع (ويعود جزء كبير من ذلك إلى أزمة منطقة اليورو)، وترتفع أسعارها في كل مرة تعطي فيها البنوك المركزية الأسواقَ ما تريد وتتخذ قرار التسهيل الكمي. في عام 2010 هوت الأسهم بنسبة 17 في المائة بعد أن غرقت اليونان أول مرة في بحر الاضطرابات والمظاهرات، وبدأ الاحتياطي الفيدرالي بالحديث عن ''استراتيجيات الخروج'' (من برامج التسهيل الكمي ورفع أسعار الفائدة). ثم اندفعت الأسهم إلى أعلى بنسبة بلغت نحو 35 في المائة بعد أن أوضح بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في آب (أغسطس) من ذلك العام أن البنك سيطلق ''جولة ثانية من التسهيل الكمي'' يشتري من خلالها سندات الخزانة من أجل دفع العوائد إلى أدنى. وفي ذلك الحين بدا ذلك الاندفاع أكثر إقناعاً من الاندفاع الحالي، لكنه انتهى بمجرد انتهاء برنامج الجولة الثانية من التسهيل الكمي وتحول إلى تراجع بنسبة 26 في المائة مع ازدياد الحدة في أزمة منطقة اليورو، وكاد الكونجرس أن يفرض عجزا على سداد الديون الأمريكية. ثم جاء البنك المركزي الأوروبي وأطلق شرارة الارتفاع الأخير. ويشير التاريخ إلى أن هذا النمط يمكن أن يستمر لعقود، وليس فقط لسنوات أو أشهر. وهذا غالبا ما يحدث بعد أن تؤدي الأزمات المالية إلى انهيار في الموجودات، كما بين لنا بصورة رائعة كل من كين روجوف وكارمن راينهارت في كتابهما ذي الأثر الهائل ''الأمر مختلف هذه المرة'' This Time Is Different. بعد حالات الانهيار التاريخي الضخمة، يغلب على موجات الخوف والرجاء أن تأتي بصورة متتابعة، في الوقت الذي تتخذ فيه الحركة الأساسية للسوق طابعاً جانبياً. ,في الوقت الحاضر، لا يمكن أن تنهار أسعار الموجودات في الوقت الذي يحول فيه السياسيون ومسؤولو البنوك المركزية، الذين يتحكمون في عرض الأموال، دون انهيار تلك الأسعار. لكن أسواق الأسهم تظل مثقلة بالوزن الهائل لديون الشركات والأشخاص والحكومات، وهي ديون بحاجة إلى التخفيف وتسديدها بأموال مباشرة من أصحاب الديون، ولا بد لأسواق الأسهم كذلك أن تتعامل مع التقدم في العمر الذي يطرأ على سكان البلدان المتقدمة. وهذا يضع حداً أعلى على التقدم. وكذلك تفعل آلية التوازن الطبيعي التي تتمثل في أنه إذا أفلحت الأموال السهلة في إعادة الحياة إلى الاقتصاد، فإن هذا المحفز لا بد أن يتم سحبه. إذن ما الذي سيحدث في المرحلة المقبلة؟ ستكون هناك مع ذلك فرص لتحقيق الأرباح. وبدلاً من أن تتحرك الأسواق على نحو جانبي نستطيع أن نتوقع استمرارها في التحرك في موجات عجيبة صعودا وهبوطا. ويغلب على المستثمرين أن يقوموا بالصيد على شكل جماعات، لأن عقلية القطيع المسيطرة عليهم الآن أقوى من أية مرحلة سابقة. وهم يشعرون بالارتياع من أن يجدوا أنفسهم عالقين في عمليات بيع أخرى مكثفة للتخلص مما لديهم من موجودات، تشبه ما حدث في أعقاب انهيار بنك ليمان، حين انهارت الأسهم العالمية بنسبة 60 في المائة. ويتخوفون بالقدر نفسه من أن يفوتوا صعودا آخر مثل الصعود الذي أعقب الانهيار، حين تضاعفت قيمة الأسهم. ولأن هناك أموراً كثيرة تتوقف على قرارات السياسيين، فإن التقلبات في المزاج العام ستكون أقوى بكثير.
الأسهم العالمية تراجعت 40 في المائة عند قياسها بالفرنك السويسري و47 في المائة عند قياسها بالين الياباني.
في آب (أغسطس) الماضي لم نكن في سبيلنا للذهاب إلى الجحيم، وتظل الاحتمالات القائمة هي أننا لسنا في سبيلنا الآن للمضي قدماً بثقة إلى المرتفعات التي تضيئها أشعة الشمس. لكن لن نجانب الصواب إذا راهنا على أن المستثمرين سيستمرون في التقلب بين الخوف والرجاء وأنظارهم على هاتين النتيجتين، ما يخلق فرصاً للشراء والبيع على الطريق. لكن التحدي يكمن في معرفة الفرصة حين تأتي
تعليقات