د. حسن جوهر يرى أن الحكومة تحولت إلى كرة 'يشوّت' فيها الأغلبية والأقلية انتقاماً

زاوية الكتاب

كتب 942 مشاهدات 0


الجريدة

كرة الاستجوابات

د. حسن عبد الله جوهر

 

مهما تمتع الوزير بقدرات ذاتية أو نزاهة على المستوى الشخصي يظل في العرف السياسي مجرد موظف رفيع الشأن يدفع فواتير أكبر من حجمه منذ توليه الحقيبة إلى يوم خروجه من الوزارة، وقليل جداً من الوزراء نجدهم يشترون أنفسهم عند أول محك، فيتركون المسؤولية بعد أن يفصحوا عن خبايا الأمور وبعض ما يدور خلف الكواليس!

استجواب وزير المالية كشف ميدانياً حقيقة الوضع السياسي سواء داخل مجلس الأمة أو خارجه، وبيّن بشكل قاطع أن النظام الدستوري الكويتي ليس فقط فريداً منه نوعه على مستوى الأنظمة السياسية الديمقراطية في العالم، بل أيضاً عكس حالة الفوضى السياسية التي نعيشها في الكويت والتي زادت من حدتها الأجواء الملبدة بالاحتقانات على أشكالها وأنواعها الطائفية والفئوية.
وفي خضم هذه الأجواء الموبوءة هناك ضحايا على مستوى الأفراد والمسؤولين بالإضافة إلى الضحية الأكبر وهي الكويت التي لم تشهد في رأيي حالة مماثلة من الاستنزاف الداخلي وضعف البنية المؤسسية للدولة ناهيك عن حالة الإحباط العامة لدى الجميع تقريباً.
فالوزير مثلاً مهما تمتع بقدرات ذاتية أو نزاهة على المستوى الشخصي يظل في العرف السياسي مجرد موظف رفيع الشأن يبدأ بدفع فواتير أكبر من حجمه منذ توليه الحقيبة إلى يوم خروجه من الوزارة، وقليل جداً من الوزراء نجدهم يشترون أنفسهم عند أول محك، خصوصاً في ما يتعلق بملفات الفساد والمالية منها تحديداً، فيتركون المسؤولية بعد أن يفصحوا عن خبايا الأمور وبعض ما يدور خلف الكواليس!
ولكن الحالة الكويتية في الكثير من الأحيان تغرق الوزراء عندنا في قضايا يتمصلح منها غيره ويقف الوزير حائراً وأحياناً محرجاً ما بين مطرقة التوجيب السياسي والمجاملة لأصحاب النفود وبين سندان الضرب السياسي في مجلس الأمة، ولا تحميه تركيبة المجلس العشوائية حيث لا أغلبية مؤسسية يشد الظهر بها ولا ينتمي إلى الأقلية ليقطع الحق من نفسه فيرفض مبدأ قبول الوزارة أصلاً، فيقع فريسة المراهنة على الظروف والمواقف.
وعوداً إلى الاستجواب الأخير نجد أحد أهم التناقضات السياسية الواضحة في منظومة أي نظام سياسي برلماني، فمن دافع عن الوزير المستجوب هم أنفسهم من كتلة نواب الأقلية ممن رفعوا شعار معارضة الحكومة وقدموا الاستجوابات المتتالية ودعوا من بداية هذا المجلس إلى إقالة الحكومة برمتها وأعلنوا نيتهم الصريحة بالعمل من أجل إسقاطها، ولكن ومع هذا الموقف الرسمي الذي يفترض أن يكون مبدئياً وثابتاً تصدوا للاستجواب مع أنه يصب في اتجاه ما يرمون إليه وقد يكون بداية النهاية للحكومة الحالية!
وفي المقابل فإن الأغلبية المستوجبة التي تدعو إلى بقاء المجلس وبعض أعضائها تصدوا لاستجوابات الأقلية قبل أسابيع فقط، كشّرت عن أنيابها ملوحة بقدرتها على إسقاط الحكومة بكل سهولة، ولعل هذا العد التنازلي بدأ مبكراً.
فالحكومة بجميع وزرائها إذن، تحولت إلى مجرد كرة “يشوّت” فيها الأغلبية والأقلية ليس حباً فيها أو كرهاً بل انتقاماً وتحدياً من بعضهم لبعض في مباراة عنوانها أن كل طرف يقف بالمرصاد ضد الطرف الآخر، ولهذا تسقط الضحايا السياسية ويستمر البلد في دائرة مغلقة من الضعف والإرهاق والمستقبل المجهول!

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك