الأقلام .. تغتال الأحلام

زاوية الكتاب

كتب 1118 مشاهدات 0


عُرِفَ على مَرّ الزمان بأن القلم يصنع المجد و يبني مدن العلم و يرقى به أصحابه عن بقية البشر .. لكن أن يصبح هذا القلم أداة لاغتيال الأحلام في مهدها هذا ما لا يعرف عنه ..

طالبة متفوقة في القسم العلمي و حاصلة على المركز السابع على مستوى دولة الكويت ذهبت إلى وزارة التربية ليتم تكريمها كباقي المتفوقون .. ذهبت الطالبة و الفرحة تعتلي مُحيّاها و يكاد قلبها الصغير يعانق السحاب من سعادتها .. و كان برفقتها والدتها التي ناطح جبينها قمم الجبال فخراً بانجاز ابنتها .. وصلتا الوزارة و دخلت الأم مكتب إحدى المسؤولات التي أوكل إليها مهمة الإشراف على تكريم المتفوقون و أرتها شهادة ابنتها و النسبة العالية التي حصلت عليها بعد جهود استمرت اثنى عشر عاماً تكدح خلالها و تواصل الليل مع النهار رغم ما تعاني من ظروف حياتية قاسية حتى تقطف ثمرة تعبها هذا اليوم .. نظرت تلك المسؤولة في الشهادة و ردّت عليها بدمٍ بارد .. ( التكريم لا يشمل إبنتك لأنها بدون وهو خاص بالكويتيين فقط ولا يشمل جنسيات أخرى ) .. و ( اغتالت ) بـ قلم ( الظلم ) حلم ابنتها و ذكّتهُ بالرفض .. و بينما هم كذلك إذ دخل أحد المتفوقين من إحدى الجنسيات العربية أراها شهادته و أنه حاصل على المركز العاشر وبدون أي تردد وافقت على تكريمه !!

 قالت لها الأم كيف ذلك وهو مقيم و هو ليس بكويتي وحاصل على المركز العاشر بينما ابنتي مركزها السابع ؟؟ فردّت عليها المسؤولة بعذرٍ أقبح من ذنب : ( هذا الطالب يدرس في مدرسة حكومية و ليس خاصة ويشمله التكريم ) !! حاولت الأم تكرار رجائها للمسؤولة بعدم كسر قلب ابنتها و الموافقة عليها و ناشدتها بقلب الأم المنفطر على فلذّة كبدها .. ولكن يبدو أن الرجاء لم يلتمس جَنان الأم بين أضلعها فأشارت بيدها بأن اخرجي من المكتب ..

خرجت الأم من المكتب و عادت إلى إبنتها وهي لا تعرف كيف تخبرها بأنها لن تكرّم لأنها فقط ( بدون ) أتتها و نظرت في عينيها التي تتلألأ ببريق حلمها و يومها

المنتظر .. وقفت أمامها .. عجزت الكلمات أن تُسعف الأم و اختلجت في صدرها الأحرف والدموع تتساقط من عينيها .

فقالت البنت لأمها مداعبة إياها : ( أمّاه لو علمت أن فرحتك بتفوقي ستتسبب بسقوط دمعاتك لما تفوقت ) .. جاءت هذه الكلمات كخناجر ملتهبة و انقضّت على قلب أمها و زادت من آلام جراحها .. كبف تخبر ابنتها أن التكريم أصبح لفئة دون أخرى و أنه لا يسعها ما يسع الوافد في وطنها الذي لا تعرف غيره وطن ؟؟ .. تنهدت الأم قليلاً و استجمعت خوار قواها و أمسكت بيدي ابنتها بوهنٍ و قالت لها بصوت خافت مختنق لا يكاد يُسمع : ( لن يتم تكريمك لأنك بدون يا بنيتي ) .

  حينها علمت ابنتها أن ما رأت في عينيّ أمها إنما هي حسرات تشكلت بدمعات  فهطلت من عينيها .. سقطت هذه الكلمات كالصاعقة على مسامع ابنتها و اسودّت الدنيا بعينيها وتحجرت دمعاتها في مقلتيها و تحطمت كل أحلامها على عتبات ذلك المكتب .. انصدمت البنت من كلام أمها و لم تنطق بحرفٍ واحد من هول ما سمعت .. أخذت بيدي أمها و خرجت و دفنت أحلامها عند باب ذلك المكتب و جعلت من عتبته شاهداً لقبر أمانيها ..

هذه القصة ليست من نسيج خيال أو أساطير و خرافات مندثرة صغتها لأستدرّ العطف من خلالها .. بل هي قصة واقعية و أنا على علم بأحداثها و كل ما دار بها .. و هي مجرد مأساة واقعية من مآسي جمّة نعيشها في كل عام بعد تخرّج الكويتيين البدون .

بدونيات :

( كل طالب كويتي بدون تخرّج من الثانوية العامة و إن كانت نسبته 50% هو متفوق نظراً لما يعاني من ظروف قاسية في حياته اليومية  ) .

جميل السبع

الآن - رأي: جميل السبع

تعليقات

اكتب تعليقك