الشفافية ونشر بيانات «أرامكو» المالية بقلم سعود بن هاشم جليدان

الاقتصاد الآن

510 مشاهدات 0



شركة أرامكو هي عملاق الشركات السعودية، كما أنها تحتل مكاناً مرموقاً في قائمة كبريات الشركات العالمية. وهي كبرى الشركات السعودية وأقدمها وأفضلها تنظيماً، حيث تدير وتحتكر إمبراطورية أعمال الزيت في المملكة، إضافة إلى إدارة عديد من المشاريع المحلية والعالمية. وتأتي ''أرامكو'' في المرتبة السابعة عالمياً في إجمالي المبيعات، حيث فاقت مبيعاتها السنوية العام الماضي 350 مليار دولار، أي أكثر من 1300 مليار ريال. وتساهم أنشطة ''أرامكو'' بنحو نصف الناتج المحلي السعودي، كما تتسبب في توليد الجزء الأكبر من النصف الآخر من الناتج. وتوظف الشركة نحو 55 ألف موظف، وتبذل جهوداً كبيرة في تدريبهم وتدفع لهم مرتبات جيدة، وتمنحهم إضافة إلى ذلك مزايا مالية وغير مالية فريدة ومتعددة. وتأتي الشركة في المرتبة الأولى عالمياً في حجم القيمة المضافة والأرباح، حيث زادت أرباحها في العام الماضي على تريليون ريال، يتدفق معظمها إلى خزانة الدولة كإيرادات نفطية. وإضافة إلى هذا تدير شركة أرامكو استثمارات خارجية تقدرها المصادر الأجنبية بأكثر من 60 مليار دولار أو 225 مليار ريال.

إن شركة أرامكو هي بحق مفخرة ونجاح باهر تديره بكفاءة وتميز الكفاءات الوطنية. ومع كل هذه النجاحات التي حققتها الشركة والتأثير الكبير لها في الاقتصاد الوطني، إلا أنها لا تصدر أي بيانات مالية. وتعد ''أرامكو'' أكبر كيان اقتصادي في المملكة بعد الحكومة من حيث الميزانية، حيث تتجاوز نفقاتها 100 مليار ريال ولكن لا ينشر بالضبط حجم نفقاتها، كما لا يعرف بالتحديد حجم مبيعاتها، ولا تكاليف إنتاجها، ولا حجم الاستثمارات التي تديرها الشركة محلياً أو دولياً، ولا حتى رأسمالها الحقيقي، ولا قيمتها الدفترية، ولا حجم الدعم الذي تقدمه الشركة للاستهلاك المحلي من منتجات الطاقة، ولا حجم مشاريعها.

ومن المتوقع أن تواجه الشركة في السنوات المقبلة ارتفاعا تدريجياً في تكاليف إنتاج النفط بسبب تقادم الحقول النفطية، واستنزاف الاحتياطيات النفطية، وارتفاع حجم الاستهلاك المحلي المدعوم. وقد واجهت الشركة في الفترة الأخيرة بعض الإشكالات المتعلقة بتهم الفساد، وتعرض منظومتها المعلوماتية لهجمات عدائية من بعض المغرضين. وعلى الرغم من أن الشركة تضيف إلى الاقتصاد الوطني نحو نصف القيمة المضافة، إلا أنها توظف أقل من نصف في المائة من إجمالي العمالة. ويوجه البعض انتقادات إلى أسلوب إدارة أعمال الشركة، ويصفونها بأنها تدير كثيرا من الأعمال التي تستطيع القيام بها عن طريق العقود. وتستفيد الشركات الأجنبية والأيادي العاملة الأجنبية بطريقة أكبر من هذه العقود، كما أن هذا الأسلوب الإداري يرفع من تكاليف أعمالها. وهذا يبرز إلى الواجهة ضرورة دراسة إمكانية التخلي عن بعض من هذه العقود، والقيام بمزيد من الأنشطة ضمن الشركة وبمواردها الذاتية. وفي ظل الارتفاع التدريجي المتوقع في تكاليف الإنتاج، فإن توطين مزيد من أنشطتها سيدعم النمو في الناتج المحلي الإجمالي، ويعزز توظيف الأيادي الوطنية، كما سيدعم نقل تقنية النفط، ويزيد قدرة الشركة التنافسية على المستوى العالمي، ويوسع آفاق أنشطتها الدولية.

وتدير شركة أرامكو وتسيطر على أهم قطاع اقتصادي في المملكة وأكثره حساسية. ويؤثر هذا القطاع في مستقبل هذه البلاد أكبر تأثير، كما يؤثر في حياة كل مواطن صغير أو كبير، امرأة أو رجل، غني أو فقير، كما لا يقتصر تأثير أنشطة الشركة في الجيل الحالي ولكنه يمتد حتى الأجيال المقبلة، ولهذا لا بد من توفير أكبر قدر من الشفافية حول الشركة وأنشطتها، وإصدار بياناتها المالية بشكل دوري ومنتظم وحديث. صحيح أن الشركة ملك للدولة ولا تنطبق عليها أنظمة الشركات المالية التي تجبرها على نشر ميزانياتها وبياناتها المالية، وصحيح أنها شركة ناجحة وحققت الكثير خلال العقود الثمانية الماضية، ولكنها غير معصومة من الخطأ وهي عرضة للاستغلال والابتزاز وسوء الإدارة وانخفاض الكفاءة. وتوفر أكبر قدر من المعلومات عنها والشفافية حول أنشطتها المالية وغير المالية من أفضل الطرق للحفاظ على النزاهة والحد من التكاليف في الشركة وتطويرها. إن من حق المجتمع ككل أن يعرف بشكل رسمي وصريح حجم أعمال هذه الشركة وبياناتها المالية، بل حجم كل الشركات العامة، فملكية الدولة لا تعني أن هذه الشركات معصومة من سوء الإدارة أو الفساد. وملكية الدولة لا تعني فقدان الشفافية حول أنشطتها المالية وغير المالية، فالدولة نفسها تصدر ميزانية عن أنشطتها ونفقاتها. وتضع الدولة نفسها في خدمة المواطنين، بل تعتبر نفسها ملكا لهم، وهذه الشركات هي ملك للمواطنين أيضاً، ومن حقهم توافر الشفافية المالية وغير المالية حول هذه الشركات التي تأتي ''أرامكو'' في مقدمتها.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك