رحلة برية للمملكة العربية السعودية!.. يكتب عنها حمود الخطاب

زاوية الكتاب

كتب 1332 مشاهدات 0


السياسة

شفافيات  /  رحلتي البرية للمدينة المنورة

د. حمود الخطاب

 

تركت هموم الكتابة في الأحداث السياسية العربية والعالمية المؤلمة, لأكتب شيئا مؤنسا ومفرحاً يخفف من عناء الناس وأحزانهم, فأكتب اليوم, وبالأمس كتبت عن رحلة برية للمملكة العربية السعودية حيث كان فيها تحد للنفس قبل كل شيء.
قلت بالأمس إنني لم أسافر برا للمدينة المنورة ولا لمكة المكرمة, ومنذ أربعين سنة حيث لم أقد سيارتي إلى هناك طيلة هده الفترة الزمنية; لكني سافرت بالطائرة مرات عدة إلى هناك, فكيف كانت الرحلة البرية ومغامراتها?
قلت بالأمس إن أهم خطوات الرحلة أنني بصحبة سيارة جيب نيسان باثفايندر, ولهذا الأمر أهمية فأنا لم أجربها في سفر من قبل, وهي قد أصبحت لدينا ومنذ أحد عشر عاما, ولكني أعتقد أن كل شئ فيها على خير ما يرام,فهي سيارة قوية جداً.
سلمت على الأهل الذين كانوا يرمقون سفرتي بالكثير من التوجسات :هل هو بالقوة التي يثق بنفسه فيها فيتحمل عناء سفر طويل ذهابا وإيابا? نعم أنا كذلك… هيا. وتأخرت في الانطلاق ووصلت للحدود الكويتية التاسعة صباحاً,بعد نحو مئة وأربعين كيلو متراً, واستقبلني مركز حدود الكويت بروح طيبة,وكانت الإجراءات مبسطة وميسرة, فالمسؤولون هناك والموظفون يجلسون في أكشاك والسيارة تمر عليهم وهم جلوس في أكشاكهم, فينظرون في البطاقات المدنية التي يسافر بها الخليجيون في خليجهم العربي, وكان كل شيء بالتمام والكمال والتيسير,لكن الطريف أنهم يجهزون لك ورقة الجمرك للسيارة قبل وصولك حيث يقرأون رقم السيارة قبل وصولك للكشك,فإذا وصلت مدوا اليك ورقة مدونا فيها طباعة كل شيء عن سيارتك, وتسلم هذه الورقة آخر المطاف ذهابا وإيابا للطرف الثاني, وهذه الورقة قد تكون عرضة للضياع أو الإهمال لمن لا يعرف ماذا يجب عليه أن يعمل بها وقد كدت أهملها.
وهكذا كانت الإجراءات في الرقعي, حدود المملكة العربية السعودية, وسألني الموظف قائلا :يا مجدي! فلم التفت فقال :يا مجدي ورفع صوته, ثم قال: أولست أنت مجدي? قلت: لا أنا لست مجدي,فقال: هل سافَرَت هذه السيارة من قبل وهي محمولة على شاحنة? فقلت نعم نعم! إنها قد سافرت للأردن وعادت محمولة لأنها كانت عند ابني هناك حيث كان يدرس في الجامعة وقد تخرج وعاد للكويت. وقال: فمن مجدي ? قلت أظن أنه سائق الشاحنة الذي حمل السيارة على شاحنته للأردن ذلك الوقت فأضيف اسمه للسيارة. فقال أنت حمود? قلت نعم -طال عمرك- أنا حمود. فقال بالسلامة ياحمود إن شاء الله, فقلت :له ماشاء الله هل كل شيء يظهر عندكم بالكمبيوتر? فقال: نعم نعم.
انطلقت من الحدود وسلمت الورقة الكويتية لآخر نقطة سعودية, وقمت بتأمين السيارة لمدة اسبوعين بما يقارب العشرة دنانير كويتية والتأمين هنا إجباري. وانطلقت الصحراء معي منشرحة الصدر مثلي, وكم كنت سعيدا بأن تبدأ الرحلة بهذا اليسر, كنت فرحاً جدا برؤية الصحراء في هذا الطريق, وكنت أكثر سعادة أن أعود اليه بعد أربعين سنة حيث كنت من قبل اسافر بسيارتي إلى المدينة للدراسة هناك, وفي ذلك الوقت كان لدي سيارتان تعاقبتا في مرافقتي في السفر, إحداهما كانت دوج موناكو اوتوماتيك, باب واحد, بيضاء اللون,وكانت جميلة جدا ولقد اشتريتها مستعملة بثلاثمئة دينار فقط; كانت رخيصة السيارات وقتها, وأما الثانية فكانت من نوع هوندا سيفيك بنية اللون موديل اربعة وسبعين من القرن الماضي اشتراها لي والدي جديدة بستمئة دينار فقط, ومازال أصدقاء المدينة يذكرونها ويسألون عن أخبارها.
بكيت ونزلت دموعي وأنا أحمد ربي أن أحياني وأبقاني حتى أعود للسفر في هذا الطريق الذي كنت آلفه وأعرفه أيام دراستي,فهل تغير علي كل شيء,وكأني كنت من أصحاب الكهف الذين ذهبوا” بِوَرِقِهِم ” بكسرالراء والقاف كما هي في القرآن الكريم, ذهبوا بورقهم المالي القديم للمدينة, فاستنكر الناس العملة التي قدمت جداً,وعرفوهم منها, وهكذا أنا الآن اعود لطريق قديم أراه من جديد وقد تغير فيه كل شيئ ماعدا تلك الصحراء ذهبية الرمال, فهي لاتزال تذكرني ولا أزال أذكرها.
جهزت للسفر في سيارتي حقيبة واحدة متوسطة الحجم, وفراشا للسيارة هو سليب باك حيث كنت أنوي النوم في السيارة وأجعلها فندقي, وإلى أن أعود فلست بحاجة للفنادق ولا الاستراحات.
ومن الطريف أنني استعرت “جيك” رافعة سيارتي القديمة البونتيك موديل الثمانينات استعرتها للاحتياط فهي أفضل من رافعة الباثفايندر التي تتعب في استخدامها ولا تعين عمليا على رفع السيارة ,ومنظره يوحي بالأمان فهذه الرافعة قوية جدا وسهلة الاستخدام, وليس معي أشياء أخرى للاحتياط غير أمان ورفقة وصحبة ربي سبحانه فهو رفيق السفر .. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في المال والأهل والولد.
ومن أجمل لحظات السفر النزول للمطاعم في الطريق, ولم اتناول فطوري كما هو معتاد بعد الفجر, فترجلت لأحد المطاعم الذي فيه جلسات أرضية وطلبت الفطور والشاي وأنا ارقب سيارتي,اراها خلف الزجاج وأصورها كي احتفظ بخطوات الرحلة فأرسلها للأصدقاء وللواتس اب وللتويتر أيضا.
هذه كانت البداية, ومعذرة من كثرة التفاصيل الدقيقة; فأنا اهتم بالتفاصيل كما هي الكتابة الأميركية ;وقد قرأت كتاب كلينتون وهو في أكثر من ألف صفحة… إنه مليء بالتفاصيل الدقيقة ; ولمن تزهق نفسه ويتعذب من التفاصيل, فعليه أن يقرأ سطرا ويخطر سطرا.
سأكمل في المقالة المقبلة إن شاء الله.

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك