يكتب وليد الرجيب: عابرون على أرض الكويت!

زاوية الكتاب

كتب 777 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  مهاجرون وعابرون

وليد الرجيب

 

ما الذي يجعل الإنسان يعيش بالغربة، بعيداً عن أهله وناسه ومكانه المألوف؟ سوى البحث عن لقمة عيش، أو لأسباب سياسية أي الهروب أو النفي، أو الحروب والكوارث،لكن هناك أناس كثيرون يختارون طواعية العيش في أماكن بعيدة عن أوطانهم، دون أن يكونوا قد تعرضوا للاضطهاد في بلدانهم، أو ضيق العيش والفقر.

في قرية سان جمنيانو التاريخية التراثية بالريف الإيطالي «توسكانا»، صادفت إمرأة عربية تعمل نادلة في أحد المطاعم، وتسكن القرية نفسها،علماً بأن السكن بالأجرة أو الاستملاك باهظ جداً في هذه البقعة الصغيرة، وللوهلة الأولى بدت إحدى المهاجرات للبحث عن لقمة العيش، لكن اتضح لي أنها جاءت إلى إيطاليا وهي صغيرة في السن، فقط لأنها رغبت بالعيش في البلد الذي طالما حلمت به، وتزوجت من رجل إيطالي وأنجبت بنتاً، وعندما اكتشفت أن الزواج أصبح قيداً مثله مثل الوطن طلبت الطلاق منه.

واكتشفت ان هناك جنسيات أخرى أوروبية تعيش في الريف الإيطالي، ففي احد المقاهي كان يجلس في الطاولة المحاذية لي، رجل إنكليزي كبير بالسن وزوجته، قررا ترك بلادهما والعيش في توسكانا، وعندما سألتهما: لماذا اختارا ترك البلاد والأولاد والأحفاد والمنزل والعيش هنا، كان الجواب ببساطة: نحن نستحق ذلك، لم نحقق في حياتنا سوى التقدم بالعمر، فعلى أقل تقدير نعيش بقية عمرينا في بقعة جميلة بهذا العالم، تاركين الهموم اليومية والحياتية والأخبار السياسية، عشنا زمناً طويلاً ولم نر أن هذا العالم أصبح بحال أفضل، كنا نعتقد عندما كنا شباباً اننا سنصنع فرقاً، أو سنضيف إلى تاريخ البشر شيئاً، ولكننا اكتشفنا أن العمر عبارة عن لهاث دائم، منذ الولادة وحتى الممات، وهذا اللهاث أتعبنا ولم نستطع الاستمتاع بالحياة، فقررنا أن نستريح ونستمتع بايامنا الباقية.

وتذكرت أن العديد من الكتاب الأميركان والإنجليز المشهورين، كانوا يقررون العيش في الريف الإيطالي كي يلهمهم هذا المكان الساحر بالأعمال الإبداعية، وكثير من الإنجليز والأميركان يعيشون في الهند وفي أفريقيا وأميركا اللاتينية، بينما نتعلق نحن في المكان الذي ولدنا وعشنا به، وننظر للمهاجرين نظرة دونية، ولا نرى منهم سوى العمالة الوافدة، الذين يضطرون للعمل كخدم في المنازل أو عمال في الشوارع، بينما الهجرة عند الأجانب الغربيين هي اختيار حر، ومتعة استثنائية تشعرهم بالتحرر الداخلي، والهدوء النفسي فليس من المهم أن يختاروا بلداً أكثر تقدماً من بلادهم، ففي الكويت هناك مهاجرون ألمان وإنكليز وبولنديون وغيرهم، ولكننا لا نراهم ولا نلحظ أنهم اختاروا الهجرة منذ عشرات السنين إلى بلدنا، بل نعتبرهم عابرون بينما قد نكون نحن العابرون.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك